مقدمة سيرة الحبيب ﷺ
مقدمة سيرة الحبيب ﷺ :
تهتم الأمم قاطبة بتاريخها ، وتعنى بأخبار قادتها وزعمائها ، وهي ترى في ذلك تدعيمًا لأصالتها ، وحفاظًا على تاريخها .. ولا عجب أن يهتم المسلمون بقائدهم وسيدهم وخير من وَطِئَ الأرض بقدميه ، محمد صلى الله عليه وسلم .
وإنها لمن أمتع اللحظات حقًّا تلك التي يقضيها المرء في قراءة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو البحث فيها ؛ فهي الحياة الكاملة التي لا يعتريها قصور ولا نقص .. وهي الحياة التي حفلت -في كل جزئية من جزئياتها مهما دقَّت- بالفائدة والنفع؛ لأننا نتعلم منها الحكمة والصواب المطلق في التعامل مع كل موقف ؛ سواء كان مُفْرِحًا أو مُحزِنًا ، إننا نقرأ في سيرة أعظم إنسان خلقه الله عز وجل من لدن آدم عليه السلام وإلى يوم القيامة، وليس هذا على سبيل المبالغة؛ ولكنها عين الحقيقة فعلاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ “. (صحيح مسلم : 2278)
وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحياته ، ومعرفة أحواله في الحرب والسلم ، لم يقتصر الاهتمام بها على المسلمين وحدهم ، بل شملت غير المسلمين ، ممن أعجبتهم سيرته ، وإن لم يؤمنوا به ، صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان السلف يقدرون لهذه السيرة قدرها ، وكانوا يحفظونها كما يحفظون السورة من القرآن ، ويتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم ، فكان عليٌّ بن الحسين -رضي الله عنه- يقول : ” كنا نُعلَّم مغازي النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نُعَلَّم السورة من القرآن “.
وكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- يقول : ” كان أبي يُعَلِّمُنا المغازي ويُعِدها علينا “، ويقول : ” يا بَنِيَّ هذه مآثرُ آبائِكم فلا تضيعوها “.
ولقد اهتم علماء أمة الإسلام -قديمًا وحديثًا- بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه بهديه -صلى الله عليه وسلم- تستقيم الحياة ، ويتضح الطريق ، فقد قال الله -عز وجل- : ” لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا “. (الأحزاب : 21)
ومن أسباب الاهتمام بدراسة السيرة النبوية : تقوية الإيمان واليقين في قلوب المسلمين ، وأنه مهما تكالبت عليهم الأمور ، ومهما قوي الشيطان وجنده فإن لهم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة وإن لهم في الصحابة الكرام المثل العملي .
فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال :
” شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟! ألا تدعو لنا ؟! فقال -صلى الله عليه وسلم- : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه لكنكم تستعجلون “. (صحيح البخاري)
ندعوكم لقراءة : اسم النبي ونسبه
كما أن السيرة النبوية تفيد الوقوف على كثير من الأحكام الفقهية ، وتوضح للمسلم حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بدقائقها وتفاصيلها ، منذ ولادته وحتى موته ، مرورًا بطفولته وشبابه ودعوته ، وجهاده وصبره وانتصاره على عدوه ، وتظهر بوضوح أنه كان زوجًا وأبًا ، وقائدًا ومحاربًا ، ومربيًا وداعيةً وقاضيًا ، وعلى هذا فكل مسلم يجد بُغيَتَه فيها ..
فالداعية يجد له في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أساليب الدعوة ومراحلها ، ويتعرف على الوسائل المناسبة لكل مرحلة منها ، ويستشعر الجهد العظيم الذي بذله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل إعلاء كلمة الله ، وكيفية التصرف أمام العوائق والعقبات ، وما هو الموقف الصحيح أمام الشدائد والفتن ..
ويجد المربي في سيرته -صلى الله عليه وسلم- دروسًا نبوية في التربية من خلال مواقفه مع أصحابه الذين رباهم ، فأخرج منهم جيلاً قرآنيًا فريدًا ، وكوَّن منهم أمة هي خير أمة أخرجت للناس ، وأقام بهم دولة نشرت العدل في مشارق الأرض ومغاربها ..
ويجد العلماء فيها ما يعينهم على فهم كتاب الله تعالى ، لأنها من العلوم الهامة لتفسير القرآن الكريم ، ففيها أسباب النزول لكثير من الآيات فتعينهم على فهمها ، والاستنباط منها ، ومعايشة أحداثها ، فيستخرجون أحكامها الشرعية ، ويحصلون منها على المعارف الصحيحة في علوم الإسلام المختلفة ، وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وغيرها من العلوم ؛ فهناك سور بأكملها تتكلم عن غزوة مثل سورة الأنفال التي تتكلم عن غزوة بدر ، وسورة التوبة التي تتكلم عن غزوة تبوك ، وسورة الحشر التي تتكلم عن جلاء بني النضير ، وهناك آيات كثيرة في سورة آل عمران تتحدث عن غزوة أحد ، وحتى تُفهم هذه الآيات جيدًا لا بد من دراسة السيرة النبوية .
ومن خلال سيرته -صلى الله عليه وسلم- تُعرف منزلته وشرفه وعصمته -صلى الله عليه وسلم- من الناس ، وكيف نزلت الملائكة تقاتل معه يوم بدر ويوم الأحزاب ويوم حنين .
فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الماحي الذي محا الله به الكفر ، وهو الحاشر الذي لن يُحشَر الناس إلا بعد بعثه يوم القيامة ، وهو العاقب الذي جاء عقب كل الأنبياء ، ولن يأتي نبي أبدًا بعده .
ولقد كانت العلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وربِّه عز وجل علاقة عجيبة حقًّا ؛ فلم يخاطبه ربُّه عز وجل في القرآن الكريم باسمه قط ، وإنما كان يناديه بـ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ } ، وبـ { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ }.
وكان يمدحه وهو يعلم أن هذا المدح لن يَغُرَّه ، فقال له : ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ “. (القلم : 4)
وأقسم بحياته فقال : ” لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعمَهُونَ “. (الحجر : 72)
وصرَّح له بأنه سبحانه قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر ؛ فقال : ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ “. (الفتح : 2)
وطمأنه أنه سيعطيه حتى الرضا ؛ فقال : ” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى “. (الضحى : 5)
فسيرته -ذاتها- معجزة من معجزاته ، وآية من آيات نبوته صلى الله عليه وسلم .
ومن أهمية دراسة السيرة النبوية أيضًا التعرف على حياة الصحابة الكرام الذين جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ثَّم محبتهم والسير على نهجهم واتباع سبيلهم .
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال : ” كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبَى ، قالوا : يا رسول الله ومن يأبَى ؟! قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أَبَى “. (صحيح البخاري)
فإن عرفنا سيرته ونهجه واقتدينا به واتبعناه كانت السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة ، قال الله تعالى :” وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا “. (النور : 54)
فلبندأ بسم الله مستعينين بالله على نشر سيرته المباركة صلى الله عليه وسلم .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .