هذا الوطن العزيز الغالي على قلوبنا جميعًا ( مصر ).
كان صاحب أول سطر في تاريخ الحضارة الإنسانية ، وأول وطن عَلَّم الكون أبجدية الحرف .
يقول الأستاذ ” جمیل فارسی ” الصحفي السعودي : يخطئ من يُقَيِّم الدول على فترة من الزمان ، وهذا للأسف سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ” ريادة ” ، تلك الفترة كانت فيها مصر مثل الرجل الكبير تنفق بسخاء وبلا امتنان ، وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر .
هل تعلم يا بُني أن جامعة القاهرة وحدها قد عَلَّمت حوالي مليون طالب عربی -معظمهم بدون أي رسوم دراسية- ، بل وكانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين ؟!
هل تعلم أن مصر كانت تبعث مدرسيها لتدريس اللغة العربية المستعمرة حتى لا تضمحل لغة القرآن لديهم ، وذلك كذلك على حسابها؟!
هل تعلم أن أول طريق مسفلت من جدة إلى مكة المكرمة كان هدية من مصر ؟
هل تعلم أن حركات التحرر العربي كانت مصر هي صوتها وهي مستودعها وخزنتها ؟
کم قدمت مصر للعالم العربي في كل مجال ، في الأدب والشعر والقصة ، وفي الصحافة والطباعة والإعلام والمسرح ، وفي كل فن من الفنون .
مصر في القرآن الكريم :
إن مصر هي البلد الوحيد في العالم أجمع التي ذُكرت في القرآن الكريم خمس مرات في خمس آيات قرآنية ، وهي البلد الوحيدة التي انفردت بهذه المكرمة الإلهية دون سائر بلاد الدنيا من مشرقها إلى مغربها .
واللهِ ، إن هذا الأمر لنفخر به ونعتز ، وتسمو أرواحنا وتهتز ، أن رب العزة في عليائه ، يذكر وطننا من فوق سمائه .
وهذه هي الآيات :
- الآية 61 من سورة البقرة : ” ٱهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ “.
- الآية 87 من سورة يونس : ” وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا “.
- الآية 21 من سورة يوسف : ” وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ “.
- الآية 99 من سورة يوسف : ” وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ “.
- الآية 51 من سورة الزخرف : ” وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ “.
– الله عز وجل ذكر مصر باسمها صريحًا في هذه الآيات الخمس ، ولكن الله ذكرها بالكناية في آيات كثيرة عديدة .. قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام وامرأة العزيز : ” وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا “. (يوسف : 30)
وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام : ” وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا “. (القصص : 15)
وقال : ” فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ “. (القصص : 18)
وقال : ” وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ “. (القصص : 20)
فكلمة ” المدينة ” هنا المقصود بها مدينة ” منف ” وكانت عاصمة مصر ، ومكانها الحالي منطقة سقارة .
– وَعَبَّر القرآن الكريم عن مصر بلفظ آخر وهو ” الربوة ” ، فقال تعالى : ” وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ “. (المؤمنون : 50)
فالمقصود بالربوة هنا ” مصر “.
قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم : ليس الرُّبَي إلا في مصر ، والماء حين يُرسَل تكون الربي عليها القرى ، ولولا الربي لغرقت القرى .
– وهناك أيضًا لفظ ” الأرض ” عَبَّر القرآن به عن مصر في اثني عشر موضعًا ، قال تعالى : ” قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ “. (يوسف : 55)
وقال : ” وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ “. (يوسف : 21)
وقال تعالى : ” فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي “. (يوسف : 80)
قال ابن جریر الطبري : أي لن أفارق الأرض التي أنا بها -وهي مصر- حتى يأذن لي أبي بالخروج منها .
وقال تعالى : ” إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي ٱلأَرْضِ ” (القصص : 4) ؛ أي أرض مصر .
وقال : ” وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ “. (القصص : 5)
وقال : ” إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي ٱلأَرْضِ “. (القصص : 19)
وقال : ” يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ “. (غافر : 29)
وقال فرعون عن موسى : ” أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ “. (غافر : 26)
وقال تعالى : ” أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ “. (الأعراف : 127)
وكذلك قوله : ” إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ “. (الأعراف : 128)
وقوله : ” قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ “. (الأعراف : 129)
و” الأرض ” في كل هذه الآيات هي أرض مصر ، التي بارك الله فيها ، قال تعالى : ” وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ” (الأعراف : 137) ؛ قال الليث بن سعد ( الفقيه المصري الذي هضم التاريخ حقه ) هي مصر ، بارك الله فيها بالنيل .
قال الكندي : لا يُعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل الثناء على مصر ؛ قال تعالى : ” كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ” (الدخان : 25-26) ، ولا وصفه بمثل هذا الوصف ، ولا شهد له بالكرم غير مصر .
فمصرنا الغالية هي التي عرفت الدين قبل الزمان بزمان ، منذ سبعة آلاف عام منذ قدماء المصريين الذين عَلِمُوا أن هناك حياة أخرى وأن هناك إلهًا عظيمًا يُحاسِب الناس ، وأن بلادنا هي أولى البلاد التي عرفت التوحيد .
– قصد أبو الأنبياء إبراهيم الخليل -عليه السلام- مصر ، وعلى أرضها كَلَّم الله موسى تكليمًا ، وعلى ثراها أقبل عيسى وأمه البتول عليهما السلام ، ومَكَّن الله ليوسف -عليه السلام- من تولى خزائنها .
– قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إن مصر وأهلها في رباط إلى يوم الدين ، وأوصى المسلمين بأهلها خيرًا .
عن أبی ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ستفتحون أرضًا يُذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرًا ؛ فإن لهم ذمة ورحمًا “. (رواه مسلم)
– وأم إسماعيل عليه السلام ، مصرية وهي السيدة هاجر عليها السلام .
– وأم إبراهيم ( ابن النبي صلى الله عليه وسلم ) وهي مارية القبطية مصرية .
– والنيل من أنهار الجنة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ” سيحان ، وجيحان ، والفرات ، والنيل ، كلٌّ من أنهار الجنة “.
– ويرجع اسم مصر إلى ” مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام “.
– تجوَّل وسكن بمصر الأنبياء : إبراهيم عليه السلام ، وابنه إسماعيل عليه السلام ، وابن ابنه يعقوب عليه السلام ، ويوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام جميعًا ؛ ولذلك قال عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم .
– لمصرنا الحبيبة الكثير من الأسماء منها : خزانة الأرض ، مصر الفردوس ، أم الدنيا ، المحروسة ، أم البلاد وغوث العباد .
– قال عبدالملك بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : البركة عشر بركات ، ففي مصر تسع ، وفي الأمصار بركة واحدة !!
بارك الله في بلدنا الحبيب مصرنا الغالية ، وجعلها دائمًا وأبدًا واحة للأمن والأمان والسلامة والإسلام .
أم الدنيـا :
– كتب حمادة عجور ، يقول : إذا أردت أن تعرف مصر الحقيقة ؛ فلتسمع من أجبني زائر أو سائح أو صديق ، وإذا أردت أن تعرف أكثر ؛ فلتقرأ ما يكتبه مفكرو الغرب ، ومن قبلهم أدباء ومفكرو العرب في صحفهم ومؤلفاتهم عن أم الدنيا ، ومما ذُكر عنها في إحدى الصحف العربية : مصر هي عبقرية الزمان والمكان ، وهي سماحة الأديان وواحة الأمن والأمان .
– يقول عنها كاتب عربي : حروفها ثلاثة : الميم : مقبرة الغزاة ، والصاد : صانعة الحياة ، والراء : راكعة ساجدة للإله .
– ويقول جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأمريكي : إن مصر مثل ” برودواي ” مسرح كبير يلهم الآخرين ؛ لذلك يعتبرها العرب مصدر إلهام .
– أما التراث العربي وما حواه من كلمات الأدباء والرحالة من المغرب والأندلس حتى بلاد الصين ، فهي أكثر من أن تُحصَى ، ويكفي هنا أن نشير فقط إلى قول الشاعر :
من شاهد الأرض وأقطارها … والناس أنواعًا وأجناسًا
وما رأى مصر ولا أهلها … فما رأى الدنيا ولا الناس
هذه هي مصر ؛ فلنتفاءل جميعًا ، ولنشعر بالاطمئنان ، وإذا ما تعرضت السفينة للاضطراب ، فإن الوصول إلى بر الأمان مؤكد ؛ لأنها محروسة برعاية الله تعالى ، وأهلها في رباط إلى يوم الدين .
جمال حمدان :
ذكر جمال حمدان في كتابه ” شخصية مصر ” : إن المكان هو من يحكم شخصية المجتمع والضمير الجمعي للمجتمع .
المهم موقع مصر الاستراتيجي جدًّا جعلها دومًا بمثابة المسئول عمن حوله ، فتسمية أم الدنيا لم تأت من فراغ ، فهي محاطة بالصحراء من الشرق ، وبالبحر من الشمال ، وبالسودان من الجنوب ، وببلاد الشام من الشرق ، والتي يشقها النيل من أولها لآخرها ، كانت دومًا محل أطماع الغزاة ، فالكل أجمع على أهميتها وعلى رغبته باحتلالها ، ومن المثير أن نعرف أن مصر استغرقت آلاف السنين ليعود ويحكمها أحد أبنائها .
الأعمدة السبعة للشخصية المصرية :
كتب الدكتور ميلاد حنا يقول :
كانت مصر بوتقة للحضارات المتعاقبة عليها ، وقد أثر ذلك على شخصية شعبها الفريدة التي جعلته متميزًا عن سائر شعوب الأرض ؛ فحضارتها مكونة من أربع رقائق متفاوتة السمك على عكس الحضارة الصينية مثلًا التي تتكون من رقيقة واحدة على مدى تاريخها ؛ فهي حضارة واحدة ودين واحد ، أما حضارة مصر فهي تتكون من رقيقة فرعونية ، ورقيقة يونانية ، ورقيقة قبطية ، ورقيقة إسلامية ، كما أن شعبها الآن بشقيه المسلم والقبطي شعبٌ متماسك لا يعرف العرقيات التي تعرفها دول أخرى ؛ مثل لبنان مَثَلًا ؛ وذلك لأن شعبها المسلم هو سُنِّيُّ المذهب ولا يوجد به طوائف شيعية أو درزية أو ما شابه ذلك ، وكذلك شعبها القبطي .
أما عن الأعمدة السبعة التي تؤثر في الشخصية المصرية ، فهي سبعة أعمدة ؛ أربعة أعمدة من التاريخ ، وثلاثة من الجغرافيا ، فمن الناحية التاريخية لابد أن تتأثر الشخصية المصرية بالرقائق المتتالية من الحضارات التي عاصرتها والتي تتمثل في الحقبة الفرعونية بمراحلها المختلفة وما تلاها من الحقبة اليونانية – الرومانية وهي متداخلة في المرحلة القبطية ، ثم الحقبة الإسلامية بمراحلها المختلفة كذلك .
أما من الناحية الجغرافية : فمصر لها انتماء عربي ، وانتماء لدول حوض البحر المتوسط ، وانتماء أفريقي وهو العمود السابع والأخير وهو انتماء المستقبل لها .. فمصر كما يقول جمال حمدان ( فرعونية هي بالجد ، ولكنها عربية الأب ) فهذا المزيج الفريد جعل من الشخصية المصرية شخصية فذة لها خصائصها التي تميزها عن سائر شعوب المعمورة . ( انتهى )
اللهم احفظ بلادنا من كل مكروهٍ وسوء .. واجعلها -يا مولانا- سخاءً رخاءً ، وسائر بلاد المسلمين .