مذاهب الفقه الأربعة :
أجمعت الأمة على هؤلاء الأربعة ؛ هي -وربي- أرزاقٌ مُوَزَّعَة ، أئمة فوق القمة متربعة .
بذلوا من الجهد أوسعه ، كتب تلامذتهم فقههم أجمعه ، ما أروعه ، ما أنفعه .
أصحابها قمم ، كانت لهم همم ، علت بهم وازدانت أمم ، فجرت النور في سواد الظُّلَم ، وألقت السمع في قلب الصمم .
إنهم الأئمة الذين اعتلوا القمة :
أبو حنيفة النعمان ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن حنبل .
عليهم سحائب الرحمات .
– المذاهب الأربعة :
المذاهب الأربعة هي المذاهب الفقهية الكبرى في العالم الإسلامي الكبير ، وهي الأكثر انتشارًا وشهرةً ، فقد حظيت بالاهتمام والتدوين والبحث والدراسة ، وكان لها القبول بين الناس الذين عملوا بها ، وتناقلوها جيلًا من بعد جيل منذ تأسيسها وحتى وقتنا الحالي .
وهي أشهر المذاهب على الإطلاق ، فهي تسير مسير الضوء في الآفاق .
- وقد تلخص من مدرسة فقه الكوفة صياغة : المذهب الحنفي ، وأول من صاغه إمام المذهب : أبو حنيفة النعمان .
- وتلخص من مدرسة فقه المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام- صياغة المذهب المالكي ، وأول من صاغه إمام المذهب : مالك بن أنس .
- وتلخص المذهب الشافعي من مدرسة فقه مكة ، ومؤسسه محمد بن إدريس الشافعي ، أخذ عن مالك ، وعن أصحاب أبي حنيفة ، وعن غيرهم من فقهاء مكة والمدينة وغيرهم ، وجمع بين مذهب أهل العراق وبين مذهب أهل الحجاز ، واهتم باللغة وقواعدها ، وصاغ علم أصول الفقه ، وهو أول من صاغ المذهب الشافعي .
- وأخذ أحمد بن حنبل عن الشافعي ، وتأثر بفقه سفيان الثوري ، واهتم بالحديث ، وهو أول من صاغ المذهب الحنبلي .
– أولًا : المذهب الحنفي :
ترجع نسبة الحنفية إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي ، الذي وُلد سنة 80 للهجرة وكان فقيهًا ورعًا ، عمل على مبدأ القياس في مصادر الفقه والمقارنة بينها ، ومراجعة نصوص إسنادها ؛ ليزيد من معرفته في الشؤون الفقهية .
ولقد طلبه المنصور ليسند إليه القضاء فرفضه خوفًا من أن يظلم أحدًا ، فحبسه المنصور لرفضه. توفى سنة 150 للهجرة .
– ثانيًا : المذهب المالكي :
ويُنسب المذهب إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي ، الذي وُلد في المدينة سنة 93 للهجرة .
طلب العلم صغيرًا ، فأخذ عن نافع مولى عبدالله بن عمر وغيره .
تُوفى في المدينة سنة 179 للهجرة ودُفن بالبقيع .
– ثالثًا : المذهب الشافعي :
ترجع نسبته إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي .
وُلد سنة 150 للهجرة في غزة ، ثم عادت به أمه إلى مكة في عمر السنتين .
تُوفى سنة 204 للهجرة وعمره أربع وخمسون سنة .
– رابعًا : المذهب الحنبلي :
يرجع إلى الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني ، الذي وُلد في العراق ببغداد سنة 164 للهجرة ، وتنقل بين الحجاز ودمشق واليمن ، ونال قسطًا من العلم الوفير والمعرفة ، وقد كان من أكبر تلاميذ الشافعي ببغداد ، ثم أصبح مجتهدًا .
وقد برز على أقرانه بحفظ السنة النبوية والمسائل الفقهية عن استاذه ، وألف عنها في ذلك كتابه [ المسند ].
تُوفى سنة 241 للهجرة وعمره سبع وسبعون سنة .
– استنباط الأحكام :
تقوم المذاهب الفقهية على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وفق قواعد وأصول فقهية محددة .
ويمكن تسميتها مدارس فقهية لاتفاقها في العقيدة والأصول والشريعة ، ولكن قد تختلف قليلًا في الأحكام المستنبطة في حال كانت ضمن مذهب واحد .
والمذاهب الفقهية التي انتشرت بشكل واسع عند المسلمين ، والتي أصبحت رسمية في معظم كتبهم ، وهي تمثل الاجتهادات الفقهية للمذاهب ، وأشهرها مذاهب الائمة الأربعة من أهل السنة والجماعة ، وهم حسب ترتيبهم التاريخي كالآتي :
- الإمام أبو حنيفة النعمان ومذهبه الحنفي .
تأسس المذهب في بغداد – العراق . - الإمام مالك بن أنس ومذهبه المالكي .
تأسس المذهب في المدينة المنورة – الحجاز . - الإمام محمد بن إدريس الشافعي ومذهبه الشافعي .
تأسس المذهب في بغداد – العراق . - الإمام أحمد بن حنبل ومذهبه الحنبلي .
تأسس المذهب في بغداد – العراق .
ندعوكم لقراءة : فقيه مصر وإمامها
– انتشار المذاهب :
تنتشر هذه المذاهب الأربعة في مختلف الدول العربية والإسلامية ، وكذلك عند الأقليات في الدول غير الإسلامية ، انتشار الضوء في الآفاق .
والمذاهب المُنتشرة بشكل كبير في هذه الدول هي :
- المالكي : في عموم المغرب العربي ، وأفريقيا ، والسودان ، وصعيد مصر ، والإمارات العربية المتحدة ، والكويت ، ومسلمي فرنسا .
- الحنفي : في شمال مصر ، ووسط آسيا ، وتركيا ، وأفغانستان ، وباكستان ، والهند ، ودول آسيا الوُسطى ، والبوسنة ، والبلقان وأكثر القوقاز .
- الشافعي : في القرن الأفريقي ، وجنوب شرق آسيا ، والعراق ، واليمن ، والأكراد ، وبلاد الشام ، وداغستان ، وإندونيسيا ، وماليزيا ، وبعض بلاد الهند مثل مليبار .
- الحنبلي : في السعودية ، والإمارات ، والكويت ، ومناطق في سلطنة عمان ، وبقلة في دمشق ، والقدس .
– مع العلامة ابن باز :
يقول الإمام ابن باز عن هذه المذاهب :
هذه مذاهب معروفة منتشرة ؛ أما مذهب أبي حنيفة فعُرف وانتشر في القرن الثاني ، وهكذا مذهب مالك في القرن الثاني ، وأما مذهب الشافعي وابن حنبل فاشتهرا بعد ذلك ، في القرن الثالث وما بعده .
وهم على خير وعلى هُدى ، وعلى حق .. وهم علماء هُدى ، علماء خير ، ولكن ليس معناه أن كل واحد معصوم ، ما يقع منه خطأ .
كل واحد له أغلاط حسب ما بلغهم من السُّنَّة ، وحسب ما عرفوه من كتاب الله تعالى ، فقد يفوت بعضهم شيء من العلم وشيء من السنة ، هذا أمر معلوم هم وغيرهم ؛ كـالأوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، و وكيع بن الجراح ، وإبراهيم الكلبي ، وغير ذلك من الأئمة المعروفين .
كل واحد منهم قد يفوته بعض العلم ؛ لأن ليس كل واحد يحيط بالسنة ويحيط بالعلم ، قد يفوته بعض الأشياء .
هم أئمة هُدى ، ولهم أتباع نظموا مذاهبهم ، وجمعوا مسائلهم وفتاواهم ، وكتبوا في ذلك حتى انتشرت هذه المذاهب وعُلِمت بسبب أتباعهم الذين ألفوا فيها وجمعوا فيها مسائل هؤلاء الأئمة ، وما أفتوا به في ذلك .
قد يقع بعض الأخطاء من بعضهم ؛ لأنه لم تبلغه السنة في بعض المسائل ؛ فأفتى باجتهاده ، فقد يقع الخطأ من أجل ذلك ، والآخر بلغه الحديث وعرف الحديث فأفتى بالصواب ، فهذه تقع لكل واحد منهم في مسائل معدودة رحمهم الله .
– مذاهب أخرى معتبرة :
هناك مذاهب فقهية أخرى غير المذاهب الأربعة ، لكن لم تتوفر فيها كل المقومات التي توفرت في المذاهب الأربعة ، ومن أصحاب هذه المذاهب :
- الإمام عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي ومذهبه الأوزاعي ، تأسس المذهب في بلاد الشام .
- الإمام الليث بن سعد. وكان في بلادنا المحروسة ( مصر ) ، وقال عنه الإمام الشافعي : { الليث بن سعد أفقه من مالك ؛ إلا أن تلامذته لم يقوموا به }.
- الإمام عطاء بن أبي رباح ( مكة المكرمة ).
- الإمام مجاهد بن جبر ( مكة المكرمة ).
- الإمام سفيان الثوري ( الكوفة ).
- الإمام الحسن البصري ( البصرة ).
- الإمام عامر بن شراحيل الشعبي ( الكوفة ).
- الإمام إسحاق بن راهويه ( خراسان ).
- الإمام سفيان بن عيينة .
- الإمام محمد بن جرير الطبري .
رحم الله أصحاب هذه المذاهب كلها ؛ الأربعة وغير الأربعة ، الذين أناروا لنا الطريق ، وبصرونا بأمور ديننا ، وحفظوا وحافظوا على سنة المعلم صلى الله عليه وسلم .