لا دوام لحال :
قال الله الكبير المتعال :
” إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ “. (آل عمران : 140)
- وفي التفسير الميسر :
إن أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة ” أُحد ” فحزنتم لذلك ، فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة ” بدر “.
وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس ، نصر مرة وهزيمة أخرى ، لما في ذلك من الحكمة ، حتى يظهر ما علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره ، ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة .
والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم ، وقعدوا عن القتال في سبيله .
- قالوا ، وما أصدق ما قالوا :
دوام الحال من المحال .
لا يوجد في هذه الحياة دوام على حال ، اليوم أنت في حزن ، غدًا برحمة الله في سعادة ، والعكس بالعكس ؛ لأن القرار والنعيم الأبدي : هو في الجنة فقط .
ننتظر الأوضاع تتغير ، والأحوال تتحسن والمتاعب تنتهي ؛ بينما الحياة تستمر ، و الأيام تمر ، والسنون تنقضي ، والعمر يمضي ؛ لذا من كمال الحكمة ، أن نعيش اللحظة ، ونستمتع بالمتوفر ، ونرضى بالمقسوم ، ولا نبخس الموجود ، فلعله عند غيرنا مفقود .
لو قلّبتَ صفحاتِ أيّامك مُتأمّلًا لوجدتَ أنّ أكثرها أُنسًا وسلامًا وسعادة هي الأيام التي كنت فيها إلى الله أقرب ، وأن أيسرَ الهموم التي مرّت على قلبك هي التي اتخذتَ ربّك لها وكيلًا .
- أمام المحكمة الإلهية :
قال الدكتور مصطفى محمود رحمه الله تعالى :
{ وأمام المحكمة الإلهية يا سادة لن ينفع الكلام !
سوف يختفي الكل !
ولن يجد كل منا إلا حارسًا واحدًا هو عمله !
أين ذهبت الدنيا ؟!
وماذا كانت بزخرفها وهيلمانها وأمجادها ؟!
كانت يومًا أو بعض يوم ، كانت ساعة من نهار .
هكذا سوف يتخافت المجرمون ، ويتهامسون في فزع يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وإلي غد قريب يا سادة .
والموعد الله }.
- ساعة وساعة :
عن حنظلة بن الربيع رضي الله عنه ، أنَّهُ مرَّ بأبي بَكْرٍ وَهوَ يَبكي ، فقالَ : ما لَكَ يا حَنظلةُ ؟ قالَ : نافَقَ حنظلةُ يا أبا بَكْرٍ ، نَكونُ عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، فإذا رجَعنا إلى الأزواجِ والضَّيعةُ نسينا كثيرًا قال فواللَّهِ إنَّا لكذلِكَ انطلِقْ بنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فانطلقْنا فلما رآهُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ : “ما لَكَ يا حنظلةُ؟”
قالَ : نافقَ حنظلةُ يا رسولَ اللَّهِ ، نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا ، قالَ : فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ” لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم ، وفي طرقِكُم ، وعلى فُرُشِكُم ، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ، ساعةً وساعةً “.
( رواه الترمذي ، وصححه الألباني ).
قال أحدهم :
كلما شعرت بعدم الإنجاز في يومي ، تذكرت هذا الحديث النبوي الشريف ؛ الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لأَنْ أَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ “. (رواه مسلم)
فأقول هذا الذكر مستشعرًا أني أنجزت إنجازًا لا تساويه الدنيا كلها ؛ فيهدأ قلبي وتطمئن نفسي .
- من عظيم لطفه :
كانت أمي -عليها رحمة الله- تقول كثيرًا :
{ عملنا ضعيف ، وهو اللطيف }.
ومن عظيم لطفه سبحانه ، أنه يراكَ مُبتسمًا فيكتبها لك أجرًا ، ويراكَ موجوعًا فيغفر لك ذنبًا ، وما بين الأجر والذنب ؛ أنت مُحاطٌ بعين اللطيف دومًا وإن كنتَ لا ترى .
ندعوكم لقراءة : ثبات حتى الممات
- الانسحاب الخفي للعمر :
هذه رسالة وصلتني من صديق ، بارك الله في عمره وصحته ، يقول فيها :
في زحمة الحياة وجدت نفسي فجأة قد بلغت الخمسين من العمر ، ثم الخامسة والخمسين ، ثم قاربت على الستين !!
هذه الأرقام لم أألفها من قبل ، بدأت أشعر بالخوف مما بعد سن الستين .
لاحظت أن الباعة يقولون لي ( يا حاج ) ، والأولاد يقولون : ( يا عم ) .. ثم صار الشباب في المحلات يعطونني كرسيًّا كي أرتاح .
كانت معاملة مميزة تمييزًا سلبيًّا .
من جهة أخرى تمعنت في سيرة أفضل الخلق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فقد بدأ الوحي ينزل عليه وهو في الاربعين ، وحارب الكفار وهو في الرابعة والخمسين ، واستمر في محاربتهم لنشر دين الله حتى آخر عمره ، بأبي وأمي وروحي -صلى الله عليه وسلم- .
والسيدة خديجة رضي الله عنها ، كانت في عز قوتها وهي في سن الأربعين ، حيث أنجبت أولادها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا العمر .
أستنتجت أن العمر الحقيقي هو ما تشعر به أنت في قلبك عن نفسك .
فالشعور بالرضا والسعادة هو أمر بيدك أنت لا بيد عداد الأيام ؛ لذلك عندما تصل لهذا العمر ، فأنت في بداية طور جديد من أطوار الشباب .
لذلك ابدأ بحفظ القرآن ؛ لأنك في قمة شبابك واجتماع قدراتك ..
حافظ على السنن الراتبة ..
صُمْ ثلاثة أيام في الشهر ..
اجعل لك خلوة في جوف الليل بربك .. ضع لك بصمة في دروب الخير ليبقى اسمك .
لا شيء يستحق الحزن والندم في حياتك ، سوى تقصيرك في جنب الله .
افرح أنك بقيت على قيد الحياة يومًا جديدًا ؛ ففي هذا اليوم ستقيم صلوات ، وتزرع حسنات ، وتقدم صدقات ، فأنت الرابح الفائز ، فاغتنم كل دقيقة ؛ فإنها لن تعود .
يوم التغابن .. أشد الناس ندمًا في الآخرة هم المهدِرون لأعمارهم حتى وإن دخلوا الجنة !!
المتاجرة مع الله لا حدود لها ، فالله الله في حسن استثمار ما تبقى من أعمارنا .
- مداولة :
قال الله تعالى : ” وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ “. (آل عمران : 140)
قال فخر الدين الرازي :
واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى تارة ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين ، وذلك لأن نصرة الله منصب شريف وإعزاز عظيم ، فلا يليق بالكافر ، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين ، والفائدة فيه من وجوه :
أما الوجه الأول :
أنه تعالى لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل ، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب ، فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان ، وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله .
والوجه الثاني :
أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي ، فيكون عند الله تشديد المحنة عليه في الدنيا أدبًا له ، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبًا من الله عليه .
والوجه الثالث :
وهو أن لذات الدنيا وآلامها غير باقية وأحوالها غير مستمرة ، وإنما تحصل السعادات المستمرة في دار الآخرة ، ولذلك فإنه تعالى يميت بعد الإحياء ، ويسقم بعد الصحة ، فإذا حسن ذلك فلم لا يحسن أن يبدل السراء بالضراء ، والقدرة بالعجز .
- لله در الشاعر القائل :
عسى سائلٌ ذو حاجةٍ إن مَنَعْتَهُ … من اليوم سؤلًا أن يكون له غدُ
فإنك لا تدري إذا جاء سائلٌ … أأنت بما تعطيه أو هو أسعدُ