قصة جليبيب
قصة جليبيب :
تعالوا لنتعلم من سيدنا وحبيبنا ومعلمنا ، الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، والسراج المنير ، وكيف تعامل مع الصحابي الجليل (جليبيب) رضي الله عنه :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأنصار : زوجني ابنتك ، فقال : نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رسول الله ، وَنُعْمَ عَيْنِى ، فقال : إِنّى لسْتُ أُريدها لنفسي ، قال : فَلِمَنْ يا رسول اللَّه ؟ قال : لِجُلَيْبِيبٍ ، فقال : يا رسول الله أشاور أمها ، فأتى أمها فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك ، فقالت : نعم ، ونعمة عيني ، فقال : إنه ليس يخطبها لنفسه ، إنما يخطبها لجليبيب ، فقالت : أَجُلَيْبِيبٌ انيهْ ؟ أَجُلَيْبِيبٌ انيهْ ؟! لاَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تُزَوَّجُهُ .
فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها ، قالت الجارية ( ابنتهما ) : من خطبني إليكم ؟ فأخبرتها أمها ، فقالت : أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ، ادفعوني فإنه لم يضيعني ، فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، قال : شأنك بها ، فَزَوَّجَها جليبيبًا .
وحدث بعد ذلك أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له ، فلما أفاء الله عليه ، قال لأصحابه : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نفقد فلانًا ، ونفقد فلانًا ، قال المعلم صلى الله عليه وسلم : انظروا هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : لا ، قال : لكني أفقد جليبيبًا ، ثم قال لهم : فاطلبوه في القتلى ؛ فطلبوه ، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قتلوه ، فقالوا : يا رسول الله ، ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قتلوه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه ، فقال : قتل سبعة وقتلوه ، هذا مِنِّي وأنا منه ، هذا مني وأنا منه ، مرتين ، أو ثلاثًا ، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه ، وحفر له ، ما له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم وضعه في قبره ، ولم يذكر أنه غَسَّلَه . (رواه أحمد)
قال النووي رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : { هذا مني وأنا منه } : معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما ، واتفاقهما في طاعة الله تعالى .
- وفي الموقف النبوي مع جليبيب -رضي الله عنه- فوائد كثيرة ، منها :
– حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم ، وعنايته واهتمامه بأحوالهم ، والسعي في قضاء حوائجهم ، فكان لهم نِعْمَ الصاحب لأصحابه ، يسعد لسعادتهم ، ويحزن لحزنهم ، ويسعى لتفريج كرباتهم ، وقد ظهر ذلك في اهتمامه صلوات الله وسلامه عليه بأمر جليبيب رضي الله عنه ووساطته في زواجه .
– المكانة العظيمة التي تبوأها جليبيب رضي الله عنه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشديد له ، مما جعله يتفقده ويسأل عنه ، ثم يجعل ساعديه له سريرًا بعد استشهاده ، ويقول مرتين عنه : { هذا مني وأنا منه } ، وقبل ذلك ما ناله من شرف الشهادة في سبيل الله .
– منزلة الإنسان في ميزان النبي صلى الله عليه وسلم وسنته تكون على قدر تقواه ، وبمقدار ما يقدم من تضحيات لأجل دينه ، ولا عليه بعد ذلك أن يكون فقيرًا ، أو دميمَ الخِلقة ، أو ضعيفَ النسب ، وقد قال عن جليبيب رضي الله عنه : { هذا مني وأنا منه }.
ولله در القائل :
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه … فلا تترك التقوى اتكالًا على النسبِِ
فقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ … وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيْفَ أَبَا لَهَبِ
– عاقبة طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- خير في الدنيا والآخرة ، فقد قال ابن كثير في حديثه عن قصة جليبيب رضي الله عنه :
” وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في ” الاستيعاب ” : أن الجارية لما قالت في خِدرها : أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ تَلَت هذه الآية : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } (الأحزاب : 36) “.
– وقد قبلت الفتاة بالزواج من جليبيب -رضي الله عنه- رغم فقره ودمامة خلقته ؛ طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من آثار استجابتها وطاعتها للنبي صلى الله عليه وسلم أن دعا لها بقوله : { اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا ، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا } (رواه البيهقي) ؛ فأدركتها بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فما كان في الأنصار أيم ( من لا زوج لها ) أنفق منها ..
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : فما رأَيْتُ بالمدينةِ ثيِّبًا أنفَقَ منها ( أي كثيرة النفقة والخير والأموال ) ، وما كادت تنتهي عِدَّتها حتَّى تسابق إليها الرجال يخطبونها .
ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع جليبيب رضي الله عنه وقوله عنه بعد استشهاده : { هذا مني وأنا منه } ، نتعلم منه الميزان الصحيح الذي يُوزن به الرجال وهو تقوى الله عز وجل ، وأن مكانة الناس في قلوبنا تكون على حسب إيمانهم وتقواهم وصلاح أعمالهم ، ولو كانوا فقراء .
اللهم صل وسلم وبارك على المعلم الأول للمسلمين ، وعلى آله وصحبه وسلم .
– الصلاة والسلام على الحبيب :
قال الحافظ البيهقي في ” شعب الإيمان ” :
( إذا قلنا : ” اللهم صَلِّ على سيدنا محمد ” فإنما نريد به : اللهم عظِّم سيدنا محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته ، وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود ، وتقديمه على كافة المقربين في اليوم المشهود ..
وإذا قلنا : ” اللهم سلّم على سيدنا محمد ” فإنما نريد به : اللهم اكتب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته ، وأمته ، وذِكره ، السلامة من كل نقص ، فتزداد دعوته على مدى الأيام علوًّا ، وأمته تكاثُرًا ، وذكره ارتفاعًا ).
قال الله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا “. (الأحزاب : 56)
قال رسول الله ﷺ : ” أَكْثِرُوا الصَّلاَةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا “.
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ
الفاتح لما أُغلق ، والخاتم لما سبق ، ناصر الحق بالحق ، والهادي إلى صراطك المستقيم ، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم .
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ
طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ، ونور الأبصار وضيائها ، وقوت الأرواح وغذائها ، وعلى آله وسلّم تسليمًا كثيرًا .
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ
صلاةً تُخرجنا بها من ظُلُمات الوهم ، وتكرمنا بنور الفهم ، وعلى آله وصحبه وسلّم .
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ
صلاةً تملأ خزائن الله نورًا ، وتكون لنا وللناس جميعًا عونًا وفرجًا وفرحًا وشفاءً وسرورًا وعلى آله وسلّم تسليمًا كثيرًا .
اللهم صلّ على سيدنا محمدٍ
صلاةً تحل بها عُقدتي ، وتُفرّج بها كُربتي ، وتمحو بها خطيئتي ، وتقضي بها حاجتي ، وعلى آله وصحبه وسلّم .
اللهم ببركة الصلاة على النبي الكريم اشفنا وعافنا من كل داء وبلاء ووباء .
وصلّ اللهمّ وسلّم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .