فترة رضاعة النبي ﷺ وبركته :
( ٧ ) الحلقة السابعة من سيرة الحبيب ﷺ :
نبدأ حديثنا اليوم بالصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد .
نتحدث عن فترة رضاعة النبي ﷺ وبركته ، ووقفنا في المرة السابقة عند اعتراض كل مرضعات بني سعد على إرضاع النبي صلى الله عليه وسلم .. فما السبب في ذلك إذًا ؟
السبب وراء رفضهن إرضاعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتيمًا .. نعم رفضن ليتمه وظننَّ أنه لن يُرجى مال من وراء طفل لا أب له.
فقالت كل مرضعة منهن : بماذا سننتفع من طفل يتيم ؟ فالذي يعطي المال ويجزل العطاء لنا مقابل الاعتناء بولده قد مات -تقصد أبو الطفل- ، فهل سيعتني به جده ويكرم مرضعته أم لا ؟
هذا ما كان يدور في عقولهن في ذلك الوقت .. ولم تجد حليمة السعدية طفلًا ترضعه غير محمد صلى الله عليه وسلم .. فقالت ماذا أفعل بيتيم ؟ فعادت لزوجها وقالت له : كل صديقاتي أخذن أطفال لإرضاعهن ولم يتبق لي إلا يتيم عبد المطلب ، أأرجع بغير رضيع أم ماذا أفعل ؟ فقال لها زوجها : خذيه لعل الله يجعل فيه البركة والخير الكثير .
وفعلًا أخذت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم .
وتذكر لنا كتب السيرة على لسان السيدة حليمة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم أنها بمجرد أن ضمته لصدرها امتلأ صدرها لبنًا ، ولم تعرف كيف ذلك فقد كان صدرها خاويًا من اللبن بسبب الفقر ونقص الطعام .. وظل النبي صلى الله عليه وسلم يرضع حتى الشبع.
هي لم تعلم من أين أتى كل هذا اللبن !
حقا إنها بركة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
قامت حليمة بعد ذلك وطلبت من زوجها أن يحلب بعض اللبن من شاة كانت لهم .. فقال لها : إنك تعلمين أنه ليس بها لبن .. فردت عليه وقالت : جرِّب أن تحلبها ، يمكن أن تجد فيها قطرات قليلة .. فلما ذهب ليحلبها وجد فيها لبنًا ، فظل يحلب ويحلب حتى امتلأ الإناء باللبن ! فذهب لزوجته حليمة وقال لها : ما هذا ؟ وكيف لذلك أن يحدث ؟؟!! فتعجبت وقالت لعل الله رزقنا بنَسَمة مباركة ، هذا اليتيم رضيع عبد المطلب طفل فيه بركة عجيبة .
وتحكي لنا عن ذلك فتقول : شربت أنا وزوجي وولدي اللبن حتى شبعنا ، وشبع الطفل محمد ، ونمنا جميعًا في راحة ، وكنا قبل ذلك يستعصي النوم على عيوننا من شدة الجوع ، ونظرًا لبكاء ولدي جوعًا .
قضت حليمة وأسرتها الليلة في مكة ، واستيقظت صباحًا لتعود لديار بني سعد مع صويحباتها ، ومعهن الأطفال الرضع .
ركبت حليمة على حمارها ، فوجدت حمارها يجري ويسابق نوق صديقاتها فتعجبت صديقاتها وسألنها : أهذا هو نفس حمارك الذي أتيت به لمكة ؟ فقالت : نعم .. فقالوا : كنت أبطئنا ونحن ذاهبون لمكة ، أما ونحن عائدون فقد كانت دابتك أسرع من كل دوابنا !
فقالت ما أرى سببًا لذلك إلا سببًا واحدًا وهو حمل ذلك الرضيع المبارك .
وصلت حليمة برضيعها المبارك إلى دارها في بني سعد .
قالت حليمة : كنت أحب الطفل محمد بشدة ، وكان يَشبُّ شبابًا لا يَشبُّهُ الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا ( شديدًا ) ولاحظت حليمة ذلك الأمر فسكن حب النبي صلى الله عليه وسلم قلبها وقلب زوجها حتى أحبوه صلى الله عليه وسلم أكثر من أبنائهم .
ومرت الأعوام وجاء وقت فطام محمد صلى الله عليه وسلم ليرجع لأمه .. لكن حليمة كانت لا تريد فراقه لشدة حبها له .. فهل يا ترى ستردُّ حليمة الرضيع لأمه ، أم ستبحث عن فكرة جديدة ليبقى معها مدة أطول لِمَا رأت من بركاته صلى الله عليه وسلم ؟
الحلقة القادمة بإذن الله سنعلم ماذا فعلت حليمة .