عظمة الملك وقدرته
عظمة الملك وقدرته :
قال الله الملك الحق :
” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ “. (سورة الزمر : 67)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ؟
ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ؟ “.
( رواه مسلم ).
- قال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله في [ الوسيط ] :
الملك في عليائه هو وحده المتولي لإبقاء السموات والأرض على حالهما في الدنيا ، وهو المتولي لتبديلهما أو إزالتهما في الآخرة ، فالأرض كلها مع عظمتها وكثافتها تكون يوم القيامة في قبضته وتحت قدرته ، كالشىء الذي يقبض عليه القابض ، والسموات كذلك مع ضخامتها واتساعها ، تكون مطويات بيمينه وتحت قدرته وتصرفه ، كما يطوي الواحد منا الشيء الهين القليل بيمينه ، وما دام الأمر كذلك فكيف يشركون معه غيره في العبادة ؟ فالمقصود من الآية الكريمة بيان وحدانيته وعظمته وقدرته -سبحانه- .
- قال السعدي رحمه الله :
يقول تعالى : وما قدر هؤلاء المشركون ربهم حق قدره ، ولا عظموه حق تعظيمه ، بل فعلوا ما يناقض ذلك ، من إشراكهم به من هو ناقص في أوصافه وأفعاله ، فأوصافه ناقصة من كل وجه ، وأفعاله ليس عنده نفع ولا ضر ، ولا عطاء ولا منع ، ولا يملك من الأمر شيئًا .
فسووا هذا المخلوق الناقص بالخالق الرب العظيم ، الذي من عظمته الباهرة ، وقدرته القاهرة ، أن جميع الأرض يوم القيامة قبضة للرحمن ، وأن السماوات -على سعتها وعظمها- مطويات بيمينه ، فلا عظمه حق عظمته من سوَّى به غيره ، ولا أظلم منه .
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي : تنزه وتعاظم عن شركهم به .
– النبي يُحَدِّث عن ديك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إنَّ اللهَ أذِنَ لي أن أُحدِّثَ عن ديكٍ قد مَرَقَتْ رجلاه الأرضَ ، وعُنُقُه مَثْنِيَّةٌ تحت العرشِ ، وهو يقول : سبحانك ما أعظَمك !
فيردُّ عليه : لا يعلم ذلك من حلفَ بي كاذبًا “.
( صححه الألباني في صحيح الجامع : 1714 ).
– الكل يسجد للملك :
قال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدًا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه .
- أبو العالية :
هو رُفَيْع بن مِهْران الرّياحي البصري .
تابعي وراوٍ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من الثقات ، روى له الجماعة .
أدرك الجاهلية ، وأسلم بعد موت النَّبِي محمد صلى الله عليه وسلم بسنتين .
أسلم لسنتين خلتا من خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
هو أول مسلم أذَّن وراء جيحون ( خوارزم ) ، وعبر مع سعيد بن عثمان بن عفان .
– الشمس والقمر والنجوم :
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
وقوله جل شأنه : «والشمس والقمر والنجوم» : إنما ذكر هذه على التنصيص ؛ لأنها قد عُبدت من دون الله ، فبيّن أنها تسجد لخالقها ، وأنها مربوبة مسخرة ، ” لَا تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ “. (فصلت : 37)
ندعوكم لقراءة : قالوا عن الله – جلَّ في علاه – 1
– أين تذهب الشمس ؟
عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟ “.
قلت : الله ورسوله أعلم .
قال : ” فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ، ثم تستأمر فيوشك أن يُقال لها : ارجعي من حيث جئت “.
( متفق عليه ).
– تهبط من خشيته :
قال الله تعالى في وصف الحجارة :
” وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ “. (البقرة : 74)
وقال عز من قائل :
” وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ “. (الإسراء : 44)
– اقرأوا وعوا :
قال الله تعالى :
” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ “. (سورة الحج : 18)
وآية الزمر 67 التي صَدَّرنا بها المقال ، عبّر عنها علماء كُثُر ومفسرون على مدار العصور ، بَيَّنوا فيها عظمة الخالق وقدرته جلّ في علاه ، وها هو الإمام الآلوسي رحمه الله يقول :
السلف يقولون : إن الكلام هنا تنبيه على مزيد جلالته تعالى ؛ إلا أنهم لا يقولون إن القبضة مجاز عن المُلك أو التصرف ، ولا اليمين مجاز عن القدرة ، بل ينزهون الله -تعالى- عن الأعضاء والجوارح ، ويؤمنون بما نسبه تعالى إلى ذاته بالمعنى اللائق به الذي أراده سبحانه ، وكذا يفعلون في الأخبار الواردة في هذا المقام .
فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار الى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إنا نجد الله يحمل السموات يوم القيامة على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع .
فيقول : أنا الملك .
فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر ، ثم قرأ هذه الآية .
- الآلوسي .. صاحب روح المعاني :
هو شهاب الدين أبو الثناء الآلوسي ، مفسِّر ومحدِّث وفقيه وشاعر وخطّاط وأديب من المجددين ، شيخ العلماء في العراق في عصره ، ونادرة من النوادر التي جادت بها الأيام ، اشتغل بالتأليف والتدريس والإفتاء ، وخلّف مكتبة زاخرة بالكتب القيمة أشهرها تفسيره الكبير [ روح المعاني ] الذي استغرق تأليفه 15 سنة .
وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري ، يلقب بـ ” الآلوسي الكبير ” تمييزًا له عن باقي العلماء الآلوسيين الذين انحدروا من هذه الأسرة التي اشتهر أهلها بالعلم .
تلقى العلوم على شيوخ عصره ، وكان شديد الحرص على التعلم ذكيًّا فطنًا ، لا يكاد ينسى شيئًا سمعه ، حتى صار إمام عصره بلا منازع .
اشتغل بالتأليف والتدريس في سن مبكرة ، فذاع صيته وكَثُر تلاميذه ، تولى منصب الإفتاء وبقي فيه حتى سنة 1263 هـ .
– أين ملوك الأرض ؟!
روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : ” يطوى الله السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ، أين ملوك الأرض “.
لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له المُلك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .