عصا موسى :
قال القرطبي رحمه الله :
والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئًا على سيف أو عصا ، فالعصا مأخوذة من أصل كريم ومعدن شريف ، ولا ينكرها إلا جاهل .
وقد جمع الله لموسى عليه السلام في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما آمن به السحرة المعاندون ، واتخذها سليمان عليه السلام لخطبته وموعظته وطول صلاته ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته ، وكان يخطب بالقضيب ، وكفى بذلك فضلًا على شرف حال العصا ، وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء ، وعادة العرب العرباء الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام وفي المحافل والخطب ، وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني ، والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم .
وقال الحسن البصري رحمه الله :
في العصا ست خصال : سنة للأنبياء ، وزينة الصلحاء ، وسلاح على الأعداء ، وعون للضعفاء ، وغمّ المنافقين ، وزيادة في الطاعات.
ويقال : إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ، ويخشع منه المنافق والفاجر ، وتكون قبلته إذا صلى ، وقوة له إذا أعيا ، والعصا تتخذ قبلة في الصحراء .
وعصا موسى عليه السلام هي أشهر عصا على الإطلاق .
- هيا لنعيش مع عصا موسى ، ومع جمال وروعة لغتنا الجميلة من خلال آيتين من سورة ” طه “ ، ومع الإعراب والبلاغة ، بحسب موقع [ نداء الإيمان ] :
– يقول رب العزة عز وجل : ” وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى “. (سورة طه : آية 17)
- الإعراب :
الواو استئنافيّة ما اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ ، وهي للتقرير {تلك} اسم إشارة مبنيّ على السكون الظاهر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع خبر {بيمينك} متعلّق بمحذوف حال عامله الإشارة .
جملة : {ما تلك} لا محلّ لها استئنافيّة وجملة : {يا موسى} لا محلّ لها اعتراضيّة ، أو استئنافيّة لتأكيد النداء .
– قال تعالى : ” قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى “. (سورة طه : آية 18)
- الإعراب :
{عصاي} خبر المبتدأ {هي} مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف .. والياء مضاف إليه {عليها} متعلّق ب {أتوكّأ} ، {بها} متعلّق ب {أهشّ} ، {على غنمي} متعلّق بحال محذوفة من مفعول أهشّ أي ورق الشجر متساقطًا على غنمي الواو عاطفة {لي} متعلّق بمحذوف خبر مقدّم {فيها} متعلّق بالخبر المحذوف {مآرب} مبتدأ مؤخّر مرفوع {أخرى} نعت لمآرب مرفوع مثله ، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف .
جملة : {قال} لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة : {هي عصاي} في محلّ نصب مقول القول وجملة : {أتوكّأ} لا محلّ لها استئناف بيانيّ .
وجملة : {أهشّ} لا محلّ لها معطوفة على جملة أتوكّأ .
وجملة : {لي فيها مآرب} لا محلّ لها معطوفة على جملة أتوكّأ .
- الصرف :
{مآرب} ، جمع مأرب أو مأربة بفتح راء الأول وتثليث راء الثاني وهو الحاجة ، وهو الاسم من أرب بالشيء كلف به أو أرب إليه احتاج ، والفعل من الباب الرابع ، ووزن مآرب مفاعل بفتح الميم وكسر العين .
- البلاغة :
الإطناب :
في قوله تعالى : {قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي} كان يكفي أن يقول : {هِيَ عَصايَ} ، ولكنه توسع في الجواب ، تلذذًا بالخطاب .. ويمكن أن يقال أيضًا إن هذا هو فن التلفيف ، وهو فن طريف من فنون البلاغة .. وحدّه : أن يسأل السائل عن حكم ، هو نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة إلى بيانها ، كلها أو أكثرها ، فيعدل المسؤول عن الجواب الخاص ، عما سئل عنه ، من تبيين ذلك النوع ، ويجيب بجواب عام يتضمن الإبانة على الحكم المسؤول عنه وعن غيره ، بدعاء الحاجة إلى بيانه .. فقول موسى عليه السلام ، جوابًا عن سؤال اللّه تعالى له : {هِيَ عَصايَ} هو الجواب الحقيقي للسؤال .. ثم قال : {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} فأجاب عن سؤال مقدّر ، كأنه توهم أن يقال له : وما تفعل بها ؟
فقال معددًا منافعها .
- الفوائد :
عصا موسى :
ذكر الله تعالى على لسان موسى بعض فوائد العصا ، ولم يستقص سائر فوائدها .
وللعرب كلام لطيف في العصا ، وحكم كثيرة ، مما دفع الجاحظ إلى تأليف كتاب كامل سماه كتاب العصا .
قال أبو نواس في شأن أهل مصر حين أوضعوا بالفتنة :
فإن يك باق إفك فرعون فيكم ** فإن عصا موسى بكفّ خصيب
وأورد الجاحظ قصة عامر بن الظرب حكيم العرب في الجاهلية ، أنه لما أسنّ ، وكانت له بنت من الحكمة بمكان ، حتى جاوزت حكمتها صحر بنت لقمان ، وهند بنت الحسن ، وخمعة بنت حابس فكان يطلب إلى بنته ، إذا سمعته جاوز في حكمه ، أن تقرع له بالعصا ، ليعدل عما هو فيه .
وقال الحارث بن وعلة :
وزعمتم أن لا حلوم لنا ** إن العصا قرعت لذي حلم
وقال الفرزدق :
فإن كنت إنساني حلوم مجاشع ** فإن العصا كانت لذي الحلم تقرع
وقال المضرس الأسدي :
وألقت عصاها واستقر بها النوى
وقال سويد بن كراع الكلي :
فمن مبلغ رأس العصا أن بيننا ** ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهر