عدم تمني الموت
عدم تمني الموت :
رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يتمنى لنا حياة طيبة فيها الخير كله ، فهو لم يترك لنا شيئًا فيه الخير إلا ودلنا عليه ، ولا شيئًا فيه الشَرّ إلا وحذرنا منه .
إنه حبيبنا ، وهو طبيبنا ، بأبي هو وأمي ، صلى الله عليه وسلم .
كم قامَ ليْلًا بَاكيًا وحَزِينَا … ملأ الفضاء تضرُّعًا وأنينا
يدعو الإلهَ يقولُ ربّيَ أمّتي … اغفرْ لَها حتى تَحوزَ نعيما
يا أيها الراجُونَ وصْلَ حبيبِكم … صلّوا عليْهِ وسلّموا تسليما
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
” لَا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ “.
( متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري ).
يستعتب ؛ أي : يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا .
وفي رواية لمسلم : ” لا يتمن أحدكم الموت ، ولايدعُ من قبل أن يأتيه ، إنه إذا مات انقطع عمله ، وإنه لا يزيد المؤمنَ عُمُرُهُ إلا خيرًا“.
النهي في هذا الحديث النبوي الشريف ، للتحريم ؛ لأن تمني الموت فيه شيء من عدم الرضا بقضاء الله .
فيجب على المؤمن الكَيِّس أن يتحلى بالصبر إذا أصابته ضراء ، فقد ورد عن المعلم صلى الله عليه وسلم قوله :
” عجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له “.
( رواه مسلم ).
فإذا صبر على الضراء نال جائزتين :
الأولى : تكفير الخطايا فإن الإنسان لا يصيبه هم ولا غم ولا أذى ولا شيء إلا كَفَّر الله به عنه حتى الشوكة يشاكها فإنه يكفر بها عنه .
والأخرى : إذا وُفِّقَ لاحتساب الأجر من الله وصبر يبتغي بذلك وجه الله ؛ فإنه يُثاب .
أما كونه يتمنى الموت فهذا يدل على أنه غير صابر على ما قضى الله عز وجل ولا راضٍ به .
ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إما أن يكون من المحسنين فيزداد في بقاء حياته عملًا صالحًا ، فالمؤمن إذا بقي ولو على أذى ولو على ضرر فإنه ربما تزداد حسناته ، وإما مسيئًا قد عمل سيئًا فلعله يستعتب ؛ أي يطلب من الله العُتبَى ، أي الرضا والعذر ، فيموت وقد تاب من سيئاته .
فلا تتمنَ الموت ؛ لأن الأمر كله بيد الله جل وعلا ، فاصبر واحتسب ، فإن دوام الحال من المحال .
ندعوكم لقراءة : الأعمال بالخواتيم
وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت ، فإن الحياة يتسبب منها العمل ، والعمل يحصل زيادة الثواب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل الأعمال ، ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد والعياذ بالله تعالى عن الإيمان ؛ لأن ذلك نادر ، والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ، وعلى تقدير وقوع ذلك وقد وقع لكن نادرًا ، فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء ، فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر ، فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه .
وفي الحديث إشارة إلى تغبيط المحسن بإحسانه ، وتحذير المسيء من إساءته ، فكأنه يقول من كان محسنًا فليترك تمني الموت وليستمر على إحسانه ، والازدياد منه ، ومن كان مسيئًا فليترك تمني الموت وليقلع عن الإساءة لئلا يموت على إساءته ، فيكون على خطر .
لقد نهانا معلمنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم عن تمنِّي الموتِ ؛ لأنَّه في معنى التبَرُّمِ عن قضاءِ اللهِ في أمرٍ مَنفَعَتُه عائدةٌ على العبدِ في آخِرَتِه .
ثم إن تسبيحة واحدة ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ الإﻧﺴﺎﻥ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ؛ لأﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺬﻫﺐ ﻭﺗﺰﻭﻝ ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻳﺒﻘﻰ ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ : ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا “. (الكهف : 46)
ﻓﺄﻧﺖ ﺇﺫﺍ ﺑﻘﻴﺖ ﻭﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺃﺫﻯ ﻭﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﺭ ؛ ﻓﺈﻧﻚ ﺭﺑﻤﺎ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺣﺴﻨﺎﺕ .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لصرٍّ أصابه ، فإن كان لابد فاعلًا ، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي “.
( متفق عليه ).
وعن قيس بن أبي حازم ، قال : دخلنا على خباب بن الأرت -رضي الله عنه- نعودُه وقد اكْتَوى سبعَ كَيّات ، فقال : إن أصحابنا الذين سَلفوا مضوا ، ولم تَنقصهم الدنيا ، وإنّا أصبنا ما لا نجد له مَوضعًا إلا التراب ولولا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا أن ندعوَ بالموت لدعوتُ به .
ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطًا له ، فقال : إن المسلم ليُؤجَر في كل شيء يُنفقه إلا في شيء يجعلُه في هذا التراب .
( صحيح – متفق عليه ، واللفظ للبخاري .. وروى مسلم أوله مختصرًا ).
صلى الله وسلم وبارك على معلمهم ومعلمنا الهادي البشير ، ورضي عن صحابته الكرام ، ومن اقتدي بهم إلى يوم القيامة .