عداس :
محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هو سيد الناس ، جمعه قَدَر الله عز وجل مع الغلام عَدَّاس ، بعد رحلة شاقة إلى الطائف يدعو فيها أهلها إلى عبادة رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ؛ فتدخل الوسواس الخَنَّاس ؛ فأبى الله أن يهديهم فضلوا عن النبراس .
آذوا المعلم ، صلى الله عليه وسلم ، بعد أن شرح وتكلم .
والأفضل الآن أن نتكلم عن عداس ، فمن عداس ؟
عدّاس هو غلام نصرانيّ من نينوى ، كان لعتبة وشيبة ابني ربيعة بالطائف .
شهد زيارة المعلم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف -موطن قبيلة ثقيف- طلبًا لنصرة ثقيف بعد أن اشتد إيذاء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
- هيا بنا إلى الطائف :
الطائف هي -بعد مكة- أعظمُ قرية في العرب من حيث المساحة والسكان ، والتجارة ، والمكانة الدينية والقبلية ، إلى أسباب أخرى كثيرة .
كان خروج المعلم صلى الله عليه وسلم للدعوةِ في الطائف خروجًا هادفًا إلى قريب من أهداف الدعوة في مكة ، لكن أهل الطائف قابَلوا دعوته بسخرية وتهكُّم وعناد ، بل زادوا في الاعتداء النفسي والبدني عليه بما لم يفعل أهلُ مكة إطلاقًا .
وحرَمَت مقادير الله أهلَ الطائف من الهداية كما حرَمت منها أهل مكة من قبل !
وعاد النبي صلى الله عليه وسلم يشقُّ طريق العودة شقًّا ، ويحمل كربه وهمومه من جرَّاء أثقال الاعتداء الذي جرى عليه في الطائف ، وخشية الاعتداء الذي ينتظره في مكة حين يعلم أهلُها بما حدث له مع ثَقِيف .
- النبي مهموم :
بعد هذه المعاناة الرهيبة من رحلة الطائف ، كانت هذه بعض كلماته -بأبي وأمي وروحي- صلى الله عليه وسلم :
” فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستَفِقْ إلا وأنا بقرن الثعالب “. (رواه مسلم)
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مهمومًا حزينًا ، واستند إلى جدار لعتبة وشيبة ابني ربيعة .
فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة ، وما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًّا ، يُقال له عدّاس ، فقالا له : خذ قطفًا ( من هذا ) العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه .
ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : كُل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال : بسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ؟ قال : نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ، فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيًّا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه .
قال : يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك .
فلما جاءهما عداس ، قالا له : ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟
قال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ، قالا له : ويحك يا عداس ، لا ، يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه .
ندعوكم لقراءة : الهداية من الله
- لله در القائل :
{ لم تُصِب الهدايةُ أهلَ القريتين العظيمتين ، لكنها أصابت عبدًا مغمورًا ، كان يخدم في بستانٍ بالمكان الذي ألجئ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم }.
- ما أعجَبَ المقاديرَ !
تلك التي تسوق الهدايةَ إلى رجل مِن دون الناس أجمعين ، تتعرَّض له في أبهى وأجمل صورة ، فلا يمضي غيرُ قليل من الزمن حتى يكون من أهلها ، والمتمتِّعين بها .
وتَحرِم منها آخرين عُرضت عليهم في صورٍ شتى ، مرارًا وتكرارًا ، ليلًا ونهارًا ، سرًّا وجهارًا ، فلا يزدادون منها مع مرور الأوقات إلا بُعدًا .
” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ “. (القصص : 56)