صاحب فتح الباري

هو الإمام العَلَم المحدث صاحب : فتح الباري في شرح صحيح البخاري .

أقرأ كتبه الرائعة في ليلي ونهاري .

هو القائل عن أسفاره :

وإذا الدِّيار تَنكَّرت سافرتُ في … طلب المعارف هاجرًا لدياري

وإذا أقمتُ فمؤنسي كُتبي فلا … أنفكُّ في الحالين مِنْ أسفَارِي

عسقلاني الأصل ، شافعي المذهب ، مصري المولد والمنشأ والدار والوفاة ، عليه رحمة الله .

هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد الكناني ، ثم المصري الشافعي .

وُلد في شعبان 773 هـ / 1371 م في الفسطاط .
وتُوفي في ذي الحجة 852 هـ /1449 م .

وهو مُحدِّث وعالم مسلم كبير ، شافعي المذهب .

لُقِّب بعدة ألقاب منها : شيخ الإسلام ، وأمير المؤمنين في الحديث .

نشأ يتيمَ الأبوين في غاية من العفة والصيانة ، راهق ولم يكن له صبوة ، ودخل الكُتَّاب ولم يتجاوز عامه الخامس ، وبدت عليه علامات النَّجابة ، وقوة الحفظ ، فحفظ في مبدأ الطلب جملة وافرةً من المتون في شتّى الفنون .

ومنذ نعومة أظفاره كان يحفظ كلّ يوم نصفَ حزبٍ ، وأنّه كان في أكثر الأيّام يصحَّح الصّفحة من “ الحاوي الصغير ” ثمّ يقرأها تأملًا مرّة أخرى ، ثم يعرضها في الثَّالثة حفظًا .

كان حفظه تأمُلًا ، ليس على طريقة الأطفال ( فهو لم يكن طفلًا عاديًّا ).

حبَّب الله تعالى إليه فَنَّ الحديث النبوي روايةً ودرايةً ، وكان أوّل شيخ له في ذلك القاضي الحافظ جمال الدّين أبي حامد محمّد بن عبدالله بن ظهيرة المكِّي ، باحثَ معه في كتاب “ عمدة الأحكام ” بمكّة عندما جاور بها سنة 785هـ ، وهو ابن ثنتي عشرة سنة ، فأقبل على الحديث بكلَّيته إقبالَ النَّهِم وصمّم العزم على التّحصيل ، ووفِّق للهداية إلى سواء السبيل ، واجتمع بكبار الحفّاظ في ذلك الوقت ، حتى تخرَّج في هذا الفنّ سندًا ، ومتنًا ، وعللًا ، واصطلاحًا ، وفقهًا ، حتّى استحق لقب إمرة المؤمنين في الحديث ، بل قالوا : به خُتِموا ، فلم يأت أحدٌ بعده بلغ فيه مبلغه .

وله -رحمه الله- من المؤلَّفات في فنون عِلْمٍ مختلفة ما سارت به الركبان ، وتبارى في تحصيله الأقران ، واشتهرت بجودة التّحرير ، وعُرفت بقوة السَّبك ، مع كثرة الفوائد ، ووفرة العوائد الشّوارد .

وسنذكرها لاحقًا بمشيئة الله تعالى .

ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على علم الحديث ، ورحل داخل مصر وإلى اليمن والحجاز والشام وغيرها لسماع الشيوخ ، وعمل بالحديث وشرح صحيح البخاري في كتابه فتح الباري ، فاشتهر اسمه .

قال السخاوي : « انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر ».

وله العديد من المصنفات الأخرى ، عدَّها السخاوي 270 مصنفًا .

وقد تنوعت مصنفاته ، فصنف في علوم القرآن ، وعلوم الحديث ، والفقه ، والتاريخ .

فتح الباري ، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام ، ولسان الميزان ، والإصابة في تمييز الصحابة ، والمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، ونزهة النظر شرح نخبة الفكر ، وتهذيب التهذيب ، ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، وإنباء الغمر بأبناء العمر ، وتقريب التهذيب ، والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، والتتبع لصفة التمتع ، وأحوال الميت من حين الاحتضار إلى الحشر ، وأربعون حديثًا عن أربعين شيخًا من عوالي المجيزين ، والزهر النضر في حال الخضر ، والعجاب في بيان الأسباب ، والنكت الظراف على الأطراف ، وإتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة .

قضى حياته كلها في طلب العلم وقام بالعديد من الرحلات العلمية في ديار الإسلام ليحصل مقاصد الرحلة في طلب الحديث والفوائد المرجوة منها ، وهذه الرحلات منها رحلات داخل مصر ومنها رحلات خارجها شملت بلاد الحجاز ، واليمن ، والشام وغيرها .

وكان ( رحمه الله ) لا يألو جهدًا في الرحلة إلى طلب العلم وتحصيله ، مهما كلفه ذلك من بعدٍ عن أهله وأولاده وأصحابه ، ومهما عانى من سفره من تعب ونصب .

تولى -رحمه الله- الإفتاء واشتغل في دار العدل ، وكان قاضي قضاة الشافعية .. وعَنِيَ عنايةً فائقةً بالتدريس ، واشتغل به ولم يكن يصرفه عنه شيء حتى أيام توليه القضاء والإفتاء ، وقد درّس في أشهر المدارس في العالم الإسلامي في عهده من مثل : المدرسة الشيخونية ، والمحمودية ، والحسنية ، والبيبرسية ، والفخرية ، والصلاحية ، والمؤيدية ، وكذلك مدرسة جمال الدين الأستادار في القاهرة .

وصفه تلميذه ابن تغري بردي بقوله : « كان -عفا الله عنه- ذا شيبة نيِّرة ووقار وأبهة ، ومهابة ، هذا مع ما احتوى عليه من العقل والحكمة والسكون والسياسة والدربة بالأحكام ومداراة الناس ، قَلَّ أن يخاطب الشخص بما يكره ، بل كان يحسن لمن يسيء إِلَيْهِ ويتجاوز عمن قدر عليه ، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبرّ والصدقات ؛ وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد ».

وقال تلميذه برهان الدين البقاعي وهو ممن لازمه طويلًا : « هو أعجوبة في سرعة الفهم ، وغاية في الحفظ ، وآية في حسن التصور ، له حدس يظن أنه الكشف ، وفكر كأن وقته خفي اللطف ، وتأمل يرفع الأستار من غوامض الأسرار ، وصبر متين ، وجَلَد مبين ، وقلب على نوب الأيام ثابت ، وجنان من صروف الدهر غير طائش .
ما رأيت أكظم منه للغيظ بحيث لا يظهر عليه الغضب إلا نادرًا ، ولا أجلد على ريب الزمان ، يتلقاه بصدر واسع ، ويظهر البشاشة حتى يظن من لاخبرة له أنه سُرَّ بذلك ، يستعين على الشدائد بالصبر والصلاة ».

وقد خصص السخاوي بابًا كاملًا في ذكر صفات شيخه الخُلقية وهو الباب السابع من كتابه «الجواهر والدرر».

يقول محمد إسحاق كندو : « ومن الصفات التي امتاز بها : التواضع والبعد عن التباهي بما منحه الله من مواهب وطاقات عقلية وعلمية ، وكان لا يتأنق في ملبسه ، ولا في مأكله ومشربه ، ولا في كلامه ، وكان ورعًا ، شديد التحري فيما يأكل أو يشرب ، أو يلبس ، فينتقي الحلال الطيب ، ويتجنب الحرام والمشبوه .
كما كان في غاية السماحة ، والسخاء ، والبذل ، مع قصده إخفاء ذلك .
ولقد زان كل تلك الخلال الفريدة ، والخصال المجيدة ، ملازمته العبادة وحرصه على عدم تخلية وقته منها ، فلقد كان صوَّامًا بالنهار قوَّامًا بالليل ، مكثرًا من الحج إلى بيت الله الحرام ، مداومًا على الذكر والتسبيح والاستغفار في جميع أحواله ، معظّمًا لجناب الرسول ﷺ مُحترِمًا لسنته ومتبعًا لهديه ، مدافعًا عن أحاديثه ، مُنكِرًا للبدع ، شديد الوطأة على المتجرئين على حدود الله تعالى ».


رحم الله صاحب فتح الباري : الإمام العَلَم ابن حجر العسقلاني .

ندعوكم لقراءة : فقيه مصر وإمامها

Exit mobile version