من هَدي الحبيب ﷺ

شفاء العي السؤال

شفاء العي السؤال :

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو المعلم ، إذا سَكَتَ وإذا تكلم ، يفهمه أصحابه وهو يتكلم ، وهذا ديدن من أراد التعلم .

– حديث صاحب الشَّجَّة :

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : خرجنا في سَفَر فأصاب رجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ في رأسه ، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال : هل تجدون لي رُخْصَة في التَّيمم ؟ فقالوا : ما نَجِد لك رُخْصَة وأنت تَقْدِرُ على الماء فاغْتَسَل فمات .
فلمَّا قَدِمْنَا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال : ” قَتَلُوه قَتَلَهُم الله ، ألا سَألُوا إذ لم يعلموا ، فإنَّما شِفَاء العِيِّ السؤال ، إنما كان يَكفيه أن يَتيمَّم ويَعْصِر -أو يَعْصِب- على جُرحِه خِرقَة ، ثم يمسح عليها ، ويَغسل سائر جسده “.
(حسن لغيره) – (رواه أبو داود).

– شرح الحديث :

هذا الصحابي الجليل وابن الصحابي الكبير جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أنهم خرجوا -ذات يوم- في سفر ، فأُصيب رَجُلٌ منهم بِحَجر فَشُجَّ رأسه ، ثم إنه احتلم ، فسأل أصحابه عن إجراء التيمم بدلًا عن غسل العضو .

فقالوا : ” ما نَجِد لك رُخْصَة وأنت تَقْدِرُ على الماء فاغْتَسَل فمات ” ؛ أي أنه لا يجزئ التيمم في هذه الحال ؛ لوجود الماء ، وإنما الرُّخصة في التيمم لفاقد الماء ، فإذا حضر الماء بطل التيمم ، ثم إنه اغتسل فتأثر جُرحه بالماء فمات رضي الله عنه .

فلما قدموا المدينة أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة فأعابهم بقوله : ” قَتَلُوه قَتَلَهُم الله ” ، دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم تسببوا في قتله بفتواهم الخاطئة .

وها هو المعلم يلقن الجميع درسًا ؛ فيقول :

” ألا سَألُوا إذ لم يعلموا ” ؛ أي : كان الواجب عليهم أن يسألوا ولا يتسرعوا في الفتوى ؛ لما فيها من إلحاق الضرر بالغير وهو ما قد وقع بالفعل .

” فإنَّما شِفَاء العِيِّ السؤال “.
يالها من مقولة من معلم خبير ، ” وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ “.

والعِيُّ : الجَهل ، والمعنى : لمَ لمْ يسألوا حين لم يعلموا ؛ لأن شِفاء الجَهل السؤال ، فإذا كان الإنسان يجهل الحكم الشرعي ، فإن الشِّفاء من هذا الجَهل أن يسأل ، ولا يفتي بشيء يؤدي إلى الضرر أو يلحق الهلاك بالناس ، ” فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لَا تَعْلَمُونَ ”.

ثم بَيَّن لهم المعلم صلى الله عليه وسلم الحكم الشرعي في المسألة بقوله :
” إنما كان يَكفيه أن يَتيمَّم ويَعْصِر -أو يَعْصِب- على جُرحِه خِرقة ، ثم يمسح عليها ، ويَغسل سائر جسده “.

– الحكم الشرعي :

بناء على ما سبق ؛ يُرخص لصاحب الجِراحة أو الشَّجة أن يَغسل سائر جسده بالماء ويمسح على العِصَابة ويكفي ، أما بالنسبة للتيمم مع وجود الجبيرة ، فلا يشرع ؛ لأن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف لقواعد الشريعة .

ويحمل الحديث -والله أعلم- على أن العِصَابة زائدة على الحاجة ، ويَشُق أو يَضُر نَزْعُها ؛ لذا شُرع التيمم عن الزائد من العِصَابة ، أو يحمل على أن أعضاء الوضوء كانت جريحة ، فتعذر إيصال الماء إليها ، فعدل إلى التيمم بدلًا عن غسل العضو .

– معاني الكلمات :

شَجَّه : الشَّجَّة : هي الجُرح في الرأس والوجه خاصَّة .

العِيِّ : الجَهل .

يَعْصِر -أو يَعْصِب- :
العَصْر هنا هو لفُّ الثَّوب مرَّة بعد مرَّة .
والعَصْب الشَّد ، أي: يَشدُّ العِصَابة على رأسه .

قتلوه : تسببوا في قتله .

– من فوائد الحديث :

فيه خطورة الفتوى بغير علم ، حيث كانت سببًا في قتل نفس مسلمة .

في الحديث دليل على مشروعية المسح على الجبائر ، سواء كان ذلك في الوضوء أو الغسل .

الواجب المسح على كلِّ الجبيرةٍ ، وليس على بعضها ؛ كالخفين .

فيه أن صاحب الخطأ الواضح غير معذور ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعذرهم ، بل عَابهم بالفتوى بغير علم ، وألحق بِهم الوعيد بأن دَعا عليهم ، وجعلهم في الإثم قَتلة له .

فيه رفق الشريعة بالمكلفين ، وأن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها .

ندعوكم لقراءة : أهل الذكر

– مكانة السؤال :

للسؤال مكانة كبيرة في ديننا الحنيف ؛ فقد ورد لفظ ” سأل ” ومشتقاته في القرآن الكريم عشرات المرات ؛ وهذا يؤكد على أهميته .

وهو في كل ذلك يؤكد القيمة المعرفية التي لا تتحصل إلا بالسؤال ، سواء أكان للتعلم والتبيين -كما يرى ابن الأثير- ، أو للتكلف والتعنت ، وسواء أكانت إجابته حاضرة وواضحة أو كانت ” مستورة ” ومفتوحة على فهم الناس واجتهاداتهم .

– المنهج التربوي القرآني :

يوصي المتخصصون في مجال التربية والتعليم بضرورة العناية بالسؤال والاستفادة منه في كافة أنشطة الدرس وخطواته وعناصره ، كما يوصون بالعناية بالإجابات وأن تتوفر فيها بعض الشروط والضوابط لتؤدي الغرض المطلوب منها وتحقق الأهداف المعلقة عليها .

ومن الشروط والضوابط التي ينبغي أن تتوفر في الإجابات : حسن الصياغة والوضوح ، وأن تكون على قدر السؤال ، وأن تبتعد عن الإساءة إلى المتعلمين والاستهزاء بهم ، وأن يتوخى منها النفع والفائدة .

وقد شملت إجابات الأسئلة في القرآن الكريم هذه الخصائص وغيرها ، كما تميزت بخصائص أخرى تدل على تفوق المنهج التربوي القرآني واحتفاظه بهذا التفوق مهما تقدم الإنسان في علومه ونشاطاته التعليمية والتربوية .

– يسألون :

الأسئلة القرآنية وإجاباتها كثيرة ومتنوعة ؛ وهي تربية قرآنية مجانية للمسلمين ، ولكل من يدخل في الدين الحق ؛ وهو الإسلام ، ومنها على سبيل المثال ، وليس على وجه الإجمال :

  • قال الله تعالى :
    ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ “. (البقرة : 142)
  • وقال الله الملك الحق :
    ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ “. (البقرة : 217)
  • وقال ربنا تبارك وتعالى :
    ” يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ “. ﴿المائدة : 4﴾
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى