شرف المؤمن
شرف المؤمن :
من العجيب أن يعلم المسلم فضل قيام الليل ، ولا يقوم .
والأعجب منه أنه ينشغل بأمور تافهة في وقت السحر ، ويتغافل عن ركعتين هو في أشد الحاجة إليهما من أية أمور أخرى يظنها مفيدة ، وما هي بمفيدة .
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« أتاني جبريل فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس ».
( رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني ).
ذكر الأمير الصنعاني رحمه الله ، في كتابه التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ ، قال :
{ قوله إنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل ـ والشرف : بتحريك فائه وعينه العلو ، وهو عند الناس معروف في شرف الدنيا ، بمال أو جاه أو نسب ، فأخبر صلى الله عليه وسلم ونبه بهذه الصيغة على خطأ اعتقاد أن الشرف فيما ذكر ، بل هو في قيام الليل ، والمراد : شرفه عند الله ، فإنه الشرف الحقيقي ، وقيام الليل مراد به القيام بالعبادة من تلاوة وصلاة وذكر لله : وعِزّه استغناؤُه عن الناس ـ العز : القوة والشدة والغلبة كما في النهاية ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن عز المؤمن غير هذا بل هو استغناؤه وعدم إنزاله لحاجاته بالناس ، ومنه : استغن عمن شئت تكن نظيره ـ فإنه لا يستغنى عنهم إلا من كملت ثقته بالله تعالى ، واعلم أن مثل هذه الاستعمالات النبوية لمثل هذه الألفاظ اللغوية الموضوعة فيها لمعانٍ غير ما استعملها فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل العز والشرف هنا …. يراد بها إيقاظ السامعين وتنبيههم على أن هذه الأسماء وغيرها قد وضعت لمسميات باعتبار معانيها ، وهي بهذه المعاني أجدر وأحق وأكثر مناسبة ؛ لأن المعاني هذه بها أحق وأوفق وأليق ، وليس هذا قادحًا في حكمة الواضع ، لأنه قد وضعها لمعان هي فيها صحيحة ما خلت عن الحكمة }. انتهى .
إن قيام الليل من أفضل الطاعات بعد الصلوات المفروضات .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ».
( رواه مسلم ).
قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه :
« ألا أدلك على أبواب الخير ؟
الصوم جُنَّة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل ثم تلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (السجدة : 16-17) ».
( رواه الترمذي بسند صحيح ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ».
( متفق عليه ).
– سؤال وجواب :
ورد سؤال إلى موقع [ إسلام ويب ] ، يقول السؤال :
لماذا قيام الليل شرف للمؤمن ، مع أن هذا الفضل لم يُذكَر في الصلوات المفروضة ؟
وهذه هي الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، أما بعـد :
فإن الصلوات المفروضة يستوي في أدائها جميع المسلمين ، ولكن التفاوت في الرتب ونيل الشرف والدرجات العُلا يكون بالتقرب إلى الله تعالى بكثرة النوافل وأعمال الخير ؛ ولذلك كان قيام الليل شرفًا للمؤمن ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « واعلم أنك لن تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة ، وحط عنك بها خطيئة ». (الحديث رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه الأرناؤوط)
وحديث : شرف المؤمن قيامه الليل ، رواه الحاكم في المستدرك عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد عش ما شئت ، فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت ، فإنك مجزي به ، ثم قال يا محمد : شرف المؤمن قيام الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس .
قال الذهبي في التلخيص : صحيح .
والله أعلم .
– رسالة من صديق :
هذه رسالة من صديق عزيز – جزاه الله كل خير – ، وملخصها :
ماذا يخسر المسلم إذا ترك قيام الليل ؟
الخسائر هنا بالجملة ، نذكر منها :
- يخسر لقب عباد الرحمن :
وياله من لقب :
” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا …..
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا “.
- يخسر أن يكون من المتقين :
قال الله عز وجل :
” إن المتقين في جنات وعيون ..… كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ “.
- يخسر لقب القانت :
” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ “.
ولا يكون من أولي الألباب حينئذ .
- يخسر المقام المميز للقائمين :
” لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ “.
- يخسر فرصته في إجابة الدعاء ؛ كما منحها ربنا لزكريا عليه السلام :
” فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ “.
- يخسر أن لا تُذهِب حسناته سيئاته ؛ فمن أحد شروطها أن يقيم الصلاة زلفًا من الليل :
” وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ”.
- يخسر ما أخفى الله للقائمين من قرة أعين :
” فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “.
- يخسر اتباعه هدي المعلم صلى الله عليه وسلم والذين معه من أهل بيته وأصحابه :
” إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ “.
فهل بعد كل هذه الخسائر الفادحة ، هل تراني أضيع قيام الليل ؟!
لا ، وألف لا ، ورب الكعبة .
اللهم أَعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .