خمسٌ للنبي محمد ﷺ :
أعطى الله جل في علاه نبيه ومصطفاه محمدًا صلى الله عليه وسلم خمسًا لم يُعطهن أحدٌ من الأنبياء ، ولم لا وهو خير الأصفياء ، المقربين من رب الأرض والسماء ، صاحب الشريعة السمحاء ، والملة العصماء ، الذي ترك أمته على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا الأشقياء .
ولله در شوقي القائل :
أنصفت أهل الفقر من أهل الغِنَى … فالكلُّ في حق الحياة سواءُ
فلو أن إنسانًا تَخَيَّرَ ملةً … ما اختار إلا دينَك الفقراءُ
* أعطاه ربه عز وجل : نصرةً بالرعب مسيرة شهر ، فيا ويل الأعداء .
ذُعِرت عروشُ الظالمين فزُلزِلت … وَعَلَت على تيجانهم أصداء
* وجعل الله له الأرض مسجدًا وطهورا ؛ نُصلِّي أينما نشاء ، وأحلَّ الله له الغنائم ، وأعطاه الشفاعة ، وبعثه إلى الناس عامة ؛ فياله من اصطفاء .
- الحديث :
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ :
” أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا ، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي ، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً “.
( متفق عليه ).
- راوي الحديث :
جابر بن عبدالله ، رضي الله عنهما ، صحابي جليل وابن صحابي جليل ، اسمه : جابر بن عبدالله بن عمرو بن حَرام بن كعب الأنصاري السلمي ، كنيته أبو عبدالله ، أو أبو عبد الرحمن ، يُعَدُّ مِن المُكثِرين من رواية الحديث ، روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم 1540 حديثًا ، وروى عنه جماعةٌ من الصحابة ، وله ولأبيه صحبةٌ ، شهِد بيعة العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي ، ورُوِي عنه أنه قال : غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعَ عشرةَ غزوةً ، وكان ممن يُؤخَذ عنه العلم ، وله حَلْقة في المسجد النبوي .
تُوفي في المدينة سنة 73 أو 74 هـ وعمره 94 سنة ، كان آخر مَن مات مِن الصحابة في المدينة .
- شرح الحديث :
خَصَّ الله تبارك وتعالى نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والمرسلين بخصال شَرَف وكرامة ، فيها تكريم له ولأمته ، ومَيّزَه بمحامد لم تكن لمن قبله من الأنبياء جميعًا عليهم السلام ، فنالَ هذه الأمةَ المحمديةَ الخاتمة -ببركته صلى الله عليه وسلم- شيءٌ من هذه الفضائل والمكارم ، ويالها من مكرمة لهذه الأمة الخاتمة .
من ذلك أيها المسلمون الموحدون : ما ثبت في هذا الحديث من هذه الخصال الخمس الكريمة :
أولها : أن الله سبحانه وتعالى نصره ، وأيده على أعدائه ، بالرعب ، الذي يحل بأعدائه ، فيضعفهم ويفرق صفوفهم ، ويشتت شملهم ، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على مسيرة شهر منهم ، تأييدًا من الملك ونصرًا لحبيبه ومصطفاه -صلى وسلم عليه ربه ومولاه- ، وخذلانًا وهزيمةً لأعداء دينه ، ولا شك أنها إعانة كبيرة من الله تعالى .
ثانيها : أن الله عز وجل وسّع على هذا النبي الكريم ، وأمته المرحومة بأن جعل لها الأرض مسجدًا وطهورًا ؛ فأينما تدركهم الصلاة فليصلوا ، فلا تتقيد بأمكنة مخصوصة ، كما كان من قبلهم لا يؤدون عباداتهم إلا في دور العبادة من كنائس ، وبِيَع .
وهكذا فإن الله رفع الحرج والضيق عن هذه الأمة المحمدية المرحومة، فضلًا منه وإحسانًا ، وكرمًا وامتنانًا .
وكذاك كان من قبل هذه الأمة ، لا يطهرهم إلا الماء ، وهذه الأمة -وهي خير الأمم- ، جُعل التراب لمن لم يجد الماء طهورًا ، ومثله العاجز عن استعماله لضرره .
ثالثها : أن الغنائم التي تؤخذ من الكفار والمقاتلين حلال للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، يقتسمونها على ما بيّن الله تعالى ، بعد أن كانت محرمة على الأنبياء السابقين وأممهم ، حيث كانوا يجمعونها ، فإن قَبِل الله عملهم نزلت عليها نار من السماء فأحرقتها .
رابعها : أن الله سبحانه وتعالى ، خصه بالمقام المحمود ، والشفاعة العظمى ، يوم يتأخر عنها أولو العزم من الرسل : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى -عليهم السلام- في عرصات القيامة ، فيقول : أنا لها ، أنا لها ، ويسجد تحت العرش ، ويمجد الله تعالى بما هو أهله ، فيقال : اشفع تُشفع ، وسل تعطَه .
حينئذ يسأل الله الشفاعة للخلائق بالفصل بينهم في هذا المقام الطويل ، فهذا هو المَقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون .
خامسها : أن كل نبي من الأنبياء السابقين تختص دعوتهم بقومهم ، وقد جعل اللهْ تعالى هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، ولما كانت بهذه الصلاحية والكمال ، كانت هي الأخيرة ؛ لأنها لا تحتاج إلى زيادة ولا فيها نقص ، وجعلت شاملة ، لما فيها من عناصر البقاء والخلود .
– حُبٌّ .. ودعاء :
ربَّاه ، أحببنا رسولنا ﷺ ولم نره ، وصدّقنا به ولم نخالطه ، واشتقنا إليه ولم نصاحبه ، وقرأنا أحاديثه ولم نجالسه .
اللهم كما أكرمتنا بحبِّه ، وهديتنا لشرعه وشرّفتنا بأن كنا من أُمتّه .. احشرنا في زمرته ، واجمعنا تحت لوائه ، وارزقنا شفاعته ، وأوردنا حوضه ، وأسعدنا بلقائه في الفردوس من جنتك .