خطبة الجمعة
خطبة الجمعة :
ما أجمل ما نسمعه كل يوم جمعة حينما نذهب إلى بيوت الله ، وننصت بخشوع إلى خطبة الجمعة من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يحدث في كل مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وتشنف آذاننا هذه الكلمات الرائعة الرقراقة التي نعتاد سماعها كل جمعة ، عن تقوى الله عز وجل ؛ ومنها :
الحمدُ للهِ المحمودِ وحدَه ، وقد رَضِيَ من أهلِ الْجنَّةِ أن قَالُوا : ( الْحَمدُ لله الَّذِي صَدَقَنا وعدَه ).
وأشْهدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا هو وَحدَه لَا شريكَ لَهُ وقد نصرَ عبدَه ، وَأشْهدُ أَن مُحَمَّدًا عَبدُه وَرَسُولُه وخيرُهم عندَه ، صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسلمَ وعَلى آلِه وَصَحبهِ الذين صاروا جُندَه .
أما بعدُ : فالبسُوا خيرَ لباسٍ : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ).
- أكرمكم .. أتقاكم :
أخفى الله القبول ؛ لتبقى القلوب على وجل ، وأبقى باب التوبة مفتوحًا ؛ ليبقى الانسان على أمل ، وجعل العبرة بالخواتيم ؛ لئلا يغتر أحد بالعمل .
لو كان الشكل والجسم أهم من الروح ، ما كانت الروح تصعد إلى السماء ، والجسم يُدفن تحت التراب .
كم من مشهورٍ في الأرض ، مجهولٌ في السماء ، وكم من مجهولٍ في الأرض معروفٌ في السماء ، فالمعيار عند الله التقوى وليس الأقوى ؛ ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ “.
- الدرع الأقوى :
أسأل الله الذي هو في ملكه مقيم ، وفي جلاله عظيم ، وبعباده رحيم ، وبكل شيء عليم ، وعلى من عصاه حليم ، وبمن رجاه كريم ، أن يلبسكم لباس التقوى ؛ فهو الدرع الأقوى ، واللباس الأنقى .
- سبب النزول :
نتحدث عن سبب نزول الآية رقم 11 في آخر سورة الجمعة ؛ ومفادها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم خطب وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن دحية بن خليفة قَدِم بتجارة ، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف ، فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء ، فأنزل الله عز وجل : ” وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ” ؛ فَقَدَّم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة وأخَّر الصلاة .
( رواه أبو داود ).
- يحسدوننا على الجمعة :
جاء في مُسند أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ذُكرت عنده اليهود قال :
” إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجُمعة التي هدانا الله لها وضلُّوا عنها وعلى القِبْلَة التي هدانا الله لها وضلُّوا عنها وعلى قوْلنا خلف الإمام آمين “.
- يوم العروبة :
يوم الجمعة كان يُسمى في الجاهلية يوم العَروبة ، والعروبة معناها الرحمة ، وجاء في [ الروْض الأنُف ] للسهيلي ، أن كعب بن لؤي -أحد أجداد النبي- صلى الله عليه وسلم هو أول من جمَع يوم العَروبة .
ولم تُسَم العروبة الجمعة إلا منذ جاء الإسلام في قول بعضهم ، وقيل : هو أول من سمَّاها الجمعة ، فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم ، فيخطبهم ويُذَكِّرهم بمبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ويُعْلِمهُم أنه من ولده ، ويأمرهم باتِّباعه والإيمان به ، وقد ذكر الماوردي هذا الخبر عن كعب في كتاب الأحكام السلطانية .
- أول يوم بالمدينة :
ثلاث خطب في أول يوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ، تضمنت آيات من القرآن الكريم ، ثم خطب في أول يوم جمعة ثلاث خطب ، أيضًا ، لحاجة أهل المدينة إلى ذلك ، وفي كلّ مرة لم يكن يسهب ، بل كان يبين ويوجز .
- أول خطبة جمعة للنبي ﷺ :
يقول ابن كثير في [ البداية والنهاية ] تحت عنوان ( ذكر خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ) :
قال ابن جرير : حدثنى يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحى : أنه بلغه عن خطبة النبى ﷺ فى أول جمعة صلاها بالمدينة فى بنى سالم بن عمرو بن عوف رضى الله عنهم :
« الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره ، وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة على فترة من الرسل ، وقلة من العلم ، وضلالة من الناس ، وانقطاع من الزمان ، ودنو من الساعة ، وقرب من الأجل .
من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالًا بعيدًا ، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة ، وأن يأمره بتقوى الله ، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ، ولا أفضل من ذلك نصيحة ، ولا أفضل من ذلك ذكرى .
وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه ، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الآخرة ، ومن يصلح الذى بينه وبين الله من أمر السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذِكرًا فى عاجل أمره وذخرًا فيما بعد الموت ، حين يفتقر المرء إلى ما قَدَّم ، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدًا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد .
والذى صدق قوله ، وأنجز وعده ، لأخلف لذلك فإنه يقول تعالى : { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } ، واتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السر والعلانية فإنه { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } ، { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ، وإن تقوى الله توقي مقته ، وتوقي عقوبته ، وتوقي سخطه .
وإن تقوى الله تبيض الوجه ، وترضى الرب ، وترفع الدرجة .
خذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله قد علمكم الله كتابه ، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، وعادوا أعداءه وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة ولا قوة إلا بالله ، فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد الموت فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفه ما بينه وبين الناس ، ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا يقضون عليه ، ويملك من الناس ولا يملكون منه ، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ».