حذو القذة بالقذة
حذو القذة بالقذة :
رسولنا الكريم ﷺ أُوتي جوامع الكلم .
ومما قاله الجاحظ عن كلام النبي محمد ﷺ :
{ هو الكلام الذي قل عدد حروفه ، وكثرت معانيه ، وجلَّ عن الصنعة ، ونُزِّه عن التكلف ..
وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة ، وغشَّاه بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبين حسن الإفهام ، وقلة عدد الكلام ..
لم تسقط له كلمة ، ولا زلت به قدم ، ولا بارت له حجة ، ولم يقم له خصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل يبذ الخطب الطوال بالكلم القصار ..
ولم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعًا ، ولا أقصد لفظًا ، ولا أعدل وزنًا ، ولا أجمل مذهبًا ، ولا أكرم مطلبًا ، ولا أحسن موقعًا ، ولا أسهل مخرجًا ، ولا أفصح معنى ولا أبين في فحواه ، من كلامه صلى الله عليه وسلم }.
وذلك بعد كلام الله تبارك وتعالى .
تعالوا لنرى نموذجًا من كلامه ﷺ الذي أورده الإمام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا الحديث بألفاظه في [ مجموع الفتاوى ] ، الصفحة أو الرقم : 12/ 456 ، وقال عنه : صحيح .
وهذا نص الحديث :
قال رسول الله ﷺ :
” لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه .. قالوا : اليَهودُ والنَّصارى ؟ قالَ : فمَن ؟ “.
أخبرنا رسول الله ﷺ بأن هذه الأمة ؛ أمته ﷺ ، ستقلد الأمم السابقة من يهود ونصارى في عاداتها وسياساتها وتصرفاتها ، وأنها ستحاول مشابهتهم في كل شيء ، كما تشبه ريشة السهم للريشة الأخرى ، ثم أكد هذه المشابهة والمتابعة بأن الأمم السابقة لو دخلت جحر ضب مع ضيقه وظلمته لحاولت هذه الأمة دخوله !!
- معاني كلمات الحديث :
سَنَنَ : بفتح السين ؛ أي : طرق .
من كان قبلكم : أي الذين قبلكم من الأمم .
حذو : منصوبٌ على المصدر ؛ أي : تحذون حذوهم .
القُذَّة : بضم القاف : واحدة ، القُذَذ وهي ريش السهم .. وله قذّتان متساويتان .
حتى لو دخلوا جُحر ضب : أي : لو تُصوِّر دخولهم فيه مع ضيقه .
لدخلتموه : لشدة سلوككم طريق من قبلكم .
قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؛ أي : أهم اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم ، أو تعني اليهود والنصارى ؟
قال : فمن ؟ : استفهامٌ إنكاريٌّ ؛ أي : فمن هم غيرُ أولئك .
ندعوكم لقراءة : التقليد الأعمى
- في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ :
” لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قالَ : فَمَنْ ؟ “.
قال بعض العلماء : { إن مما يحول بين المرء وفهم القرآن أن يظن أن ما ذم الله به اليهود والنصارى والمشركين ، لا يتناول غيرهم ، وإنما هو في قوم كانوا فبانوا }.
قال سفيان بن عيينة ، رحمه الله : { من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عُبّادنا ، ففيه شبه من النصارى }.
وقال ابن عباس ، ابن عم سيد الناس ، في قوله تعالى : ” كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ” الآية .
قال : { ما أشبه الليلة بالبارحة ! كالذين من قبلكم هؤلاء بنو إسرائيل ، شبهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه ﷺ قال : والذي نفسي بيده ، لتتبعنهم ، حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه }.
فكيف يظن من له أدنى تمسك بالعلم ، بعد هذه الأدلة الواضحة ، والبراهين القاطعة ، أن هذه الأمة لا تشابه اليهود .
يجب على كل مسلم عاقل لبيب أن يوطن نفسه ؛ إن أحسن الناس أن يحسن ، وإن أساءوا أن يتجنب إساءتهم .