حديث تكلم بقرة : من كان يؤمن بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من الله فيجب عليه أن يصدقه فيما أخبر ؛ فإنه لا ينطق عن الهوى .
مما ينكره الطاعنون في صحيح البخاري ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بقرة وذئبًا تكلما ، وقالوا : هذا مما لا تقبله العقول !
وللجواب عن هذه الشبهة نقول : هذا الحديث لم يتفرد بروايته البخاري ، فقد رواه أيضًا مسلم (2388) ، ورواه غير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل في مسنده (7351) ، والنسائي في سننه (8114) ، وأبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم (10521) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3067) .
قال البخاري رحمه الله (3471) : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : ” بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ : إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا ، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ ؛ فَقَالَ النَّاسُ : سُبْحَانَ اللهِ ! بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ ؟! فَقَالَ : فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَمَا هُمَا ثَمَّ ، وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ : هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي ، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي ؟ فَقَالَ النَّاسُ : سُبْحَانَ اللهِ ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ ؟ قَالَ : فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَمَا هُمَا ثَمَّ “. وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ .
فنسأل من لم يقبل عقله التصديق بهذا : هل عقلك لم يقبل بهذا ؛ لأن هذا لا يقبله العقل أصلًا أو لكونه سُنَّة وليس قرآنًا ؟
فإن قال : لا ، بل لكونه لا يقبله العقل ؛ قيل له : فإن القرآن قد جاء بأعجب من هذا !
وإن قال : لا أقبل هذا الحديث ؛ لأنه سُنَّة وليس قرآنًا ، قيل له : إذًا أنت لا تقبل السنة أصلًا ، وإن كانت مما يقبله العقل !
فإن قال : فما الذي في القرآن أعجب من هذا ؟ قيل له : قال الله تعالى : ” وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ” [النمل:82] ، فهذه دابة تكلم الناس .
وقال تعالى عن الهدهد أنه قال لسليمان عليه الصلاة والسلام : ” أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ” [النمل:22] .
وقال سبحانه : ” قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ” [النمل:18] .
بل أخبرنا الله عن السموات والأرض أنهما تكلمتا في قوله : ” ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ” [فصلت:11] .
وأنَّ النار تقول : ” هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ” [ق:30] .
وأخبرنا الله في القرآن أنه ما من شيء إلا يسبح بحمد الله ويسجد له .
وقص الله علينا انشقاق البحر لموسى عندما تبعه فرعون .
وأخبرنا الله في القرآن أن الحوت اتخذ سبيله في البحر سربا .
وأخبرنا الله في القرآن أن القمر انشق .
وأخبرنا الله في القرآن أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله .
إلى غير ذلك من الأمور العجيبة التي يصدقها كل من يؤمن بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا .
ومن كان يؤمن بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من الله ، فيجب عليه أن يصدقه فيما أخبر ، مثل حديثنا حديث تكلم بقرة ؛ فإنه لا ينطق عن الهوى .
نقلًا عن الكاتب : محمد بن علي بن جميل المطري . ( عن موقع طريق الإسلام )