الفتوى تقوى
الفتوى تقوى :
أب في الجزائر أُصيب بمرض النسيان ( الزهايمر ) ، فكان يأكل في نهار رمضان وهو ناسٍ .
ذهب أبناؤه إلى الشيخ ( موسى إسماعيل ) يستفتونه ، فقال لهم : العقل هو مناط التكليف في الشرع ، وأبوكم بهذه الحال قد زال عقله ، فلا شيء عليه .
ذهب الأبناء -بعد ذلك- إلى الشيخ ( الطاهر آيت علجت ) ، وسألوه السؤال نفسه ، فأجابهم الفقيه الورع : أطعموا عن والدكم كل يوم مسكينًا ؛ فلئن أعامله معاملة المريض أحب إليّ من أن أعامله معاملة المجنون .
وصل الكلام للشيخ ( موسى إسماعيل ) ، فبكى وقال : حفظ الله الشيخ الطاهر وزاده علمًا وفقهًا .
لاحظ الشيخ ( موسى إسماعيل ) أن الشيخ ( الطاهر ) يتمثل القول بأن ( الفتوى تقوى ) ، ولاحظ منه ضرورة وجوب البرّ والأدب مع الأب من قِبَل الأولاد ، ذلكم الأب الذي كان سببًا في وجودهم في هذه الحياة .
وأضاف قائلًا : من العقوق أن يعامل الأبناء أباهم في هذه الحالة معاملة المجنون ، فأرشدهم لِبِرِهِ ومعاملته معاملة المريض ؛ حفظًا لمقامه في أنفسهم ولمقامه في أعين الناس .
( انتهى ).
ياله من عالم فاهم واع ، فالعلم فيه رحابة واتساع ، لا يصل إليه إلا من أحسن الاطلاع ؛ فأفتى باقتناع ، واستطاع الإقناع .
لقد استمعت بهذه الفتوى أيما استمتاع .
قال الله تبارك وتعالى :
” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا “. (الإسراء : 23-25)
- قال العالم الجليل عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال : { وَقَضَى رَبُّكَ } قضاء دينيًا وأمر أمرًا شرعيًّا { أَنْ لَا تَعْبُدُوا } أحدًا من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات .
{ إِلَّا إِيَّاهُ } لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال ، وله من تلك الصفة أعظمها على وجه لا يشبهه أحد من خلقه ، وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور فهو المتفرد بذلك كله وغيره ليس له من ذلك شيء .
ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي : أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي ؛ لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر .
{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا } أي : إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف ، { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه ، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية .
{ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } أي : تزجرهما وتتكلم لهما كلامًا خشنًا ، { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام ليِّن حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما ، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان .