العقوق ضياع للحقوق :
قال الله تعالى :
” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا “. (الإسراء : 23)
أَمَر ربك -أيها الإنسان- وألزم وأوجب أن يُفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة ، وأمر بالإحسان إلى الأب والأم ، وبخاصة حالةُ الشيخوخة ، فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما ، ولا تسمعهما قولا سيئًا ، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ ، ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح ، ولكن ارفق بهما، وقل لهما _دائمًا_ قولًا ليِّنًا لطيفًا . (عن التفسير الميسر)
واعلموا _إخوتاه_ أن هناك أنواعًا من الحب يصعب سجنها في حروف الكلمات ؛ وعلى رأسها حب الوالدين لأولادهم .
ولله در القائل: أولادنا ؛ ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، وفلذات أكبادنا ، وقرات عيوننا ، ومباهج حياتنا .
نحن لهم أرضٌ ذليلة ، وسماءٌ ظليلة ، وبهم نصول على كل جليلة ، فإن طلبوا نعطهم ، وإن غضبوا نرضهم ، يمنحوننا ودهم ، ويحبوننا جهدهم ، ولا نكن عليهم ثقلًا ثقيلًا .
ولله در الشاعر القائل :
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لوهبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض
فما بال بعض الشباب المستهتر العاق لايعي ولايقدر هذه التضحيات التي يقدمها الوالدان عن طيب خاطر ؛ وهي فطرة فطرهما الله عليها .
وقد وصى الله عز وجل الأولاد بالإحسان إلى الوالدين في مواضع عديدة من القرآن الكريم ؛ منها قوله تعالى : ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ “. (لقمان 14)
ولم يوصِ الوالدين بأولادهم إلا في موضع واحد: ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ “. (النساء :11)
ندعوكم لقراءة : قصص عن الآباء والأمهات
– قيل للإمام الشافعي رحمه الله :
أيتخاصم الرجل مع أبويه ؟!
قال : ولا مع نعليهما !
وقال عالم آخر: إثبات الحجة على والديك عقوق ، حتى وإن كنت على حق !
وليعلم القاصي والداني أن اليُتم نوعان :
يُتمٌ أصغر ؛ وهو فقد والديك ..
ويُتمٌ أكبر ؛ وهو فقد رضاهما .
وهذه نماذج صارخة وقاتلة من العقوق من خلال الصحف المصرية :
– امتنع الأبناء عن زيارته سنواتٍ طوالًا ؛ فقطع الأب شرايين يده ، إلا أن الجيران تمكنوا من إنقاذه !!
– دخله 20 ألف جنيه شهريًّا ؛ ويرفض الإنفاق على علاج والده !!
– يضرب أمه العجوز ؛ وذلك لإجبارها على ترك الشقة !!
– يطلق النار على أمه ، ويصيبها في ذراعها ؛ لخلافهما على منزل !!
– طعنة في قلب الأب على مدفع الإفطار في رمضان !!
– عيدية الابن لأمه : ذبحها !!!
– وانبعث أشقاهم ليقتل أمه وهي تصلي !!!!
والحوادث لديّ كثيرة جدًّا ، وتثير الاشمئزاز ، والعجب العجيب العُجاب ..
ولكن أكتفي بهذا القدر من الحوادث التي رصدتها صحفنا المصرية .
مثل هذه النوعيات من الأبناء ؛ هم نواب إبليس يعيشون بيننا للأسف الشديد .
- ونختم بهذه القصيدة لأمية بن أبي الصلت وهو يخاطب ولده العاق :
غَذوَتُكَ مولودًا وَعُلتُكَ يافِعًا تُعَلُّ بِما أُحنيَ عَلَيكَ وَتَنهلُ
إِذا لَيلَةٌ نابَتكَ بِالشَكو لَم أَبِت لِشَكواكَ إِلّا ساهِرًا أَتَمَلمَلُ
كَأَني أَنا المَطروقُ دونَكَ بِالَذي طُرِقَت بِهِ دوني فَعَينايَ تَهمُلُ
تَخافُ الرَدى نَفسي عَلَيكَ وَإِنَني لَأَعلَمُ أَنَ المَوتَ حَتمٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمّا بَلَغَت السِّنَ وَالغايَةَ الَّتي إِليها مَدى ما كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ
جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً كَأَنَكَ أَنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ
فَلَيتَكَ إِذ لَم تَرعَ حَقَّ أُبوَتي فَعَلتَ كَما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ
زَعَمتَ بِأَنّي قَد كَبِرتُ وَعِبتَني لَم يَمضِ لي في السِنُ سِتونَ كُمَّلُ
وَسَمَيتَني باِسِمِ المُفَنَّدِ رَأيُهُ وَفي رَأيِكَ التَفنيدُ لَو كُنتَ تَعقِلُ
تُراقِبُ مِني عَثرَةَ أَو تَنالَها هَبِلتَ وَهذا مِنكَ رَأيٌ مُضَلَلُ
وَإِنَكَ إِذ تُبقي لِجامي موائِلًا بِرَأيِكَ شابًّا مَرَةً لَمُغَفَّلُ
وَما صَولَةُ الحقِّ الضَئيل وَخَطرُهُ إِذا خَطَرتَ يَومًا قَساورُ بُزَّلُ
تَراهُ مُعِدًّا لِلخِلافِ كَأَنَهُ بِرَدٍّ عَلى أَهلِ الصَوابِ مُوَكَلُ
وَلَكِنَّ مَن لا يَلقَ أَمرًا يَنوبُهُ بِعُدَّتِهِ يَنزِل بِهِ وَهو أَعزَلُ
قال الله عز وجل :
” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “. (الإسراء : 24)