الحج المبرور
الحج المبرور :
حجٌ مبرور ، غير مأزور ، وذنبٌ مغفور ، وتجارةٌ مع الملك لن تبور ، مع ربٍّ غفورٍ شكور .
هذا دعاؤنا لكل من ذهب إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج هذا العام وكل عام .
– وجوب الحج للمستطيع :
قال الله تعالى :
” وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ “. (آل عمران : 97)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان “. (متفق عليه)
– جزاؤه الجنة :
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة “.
– وأفضال أخرى :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟
قال : ” إيمان بالله ورسوله ” ، قيل : ثم ماذا ؟
قال : ” الجهاد في سبيل الله ” ، قيل : ثم ماذا ؟
قال : ” حج مبرور “. (متفق عليه)
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ، نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ فقال : ” لكن أفضل الجهاد حج مبرور “. (رواه البخاري)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” من حج لله فلم يرفث ولم يفسق ؛ رجع كيوم ولدته أمه “. (متفق عليه)
قال أهل العلم : ( الحج المبرور ) هو الذى لا يخالطه شيء من المأثم ؛ وقيل : ( المبرور ) المقبول .
قالوا : ومن علامات قبول الحج ، أن يرجع العبد خيرًا مما كان ، ولا يعاود المعاصي .
فعلى هذا يكون ( المبرور ) من البِّر ، والبِّر اسم جامع لكل خير .
ويجوز أن يكون ( المبرور ) بمعنى الصادق الخالص لله تعالى .
قال القرطبي : الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى ، وهي أنه الحج الذي وفِّيت أحكامه ، ووقع موقعًا لما طُلب من المُكَلَّف على الوجه الأكمل .
– فرصة ثمينة :
قال الإمام الأكبر محمد الخضر حسين مخاطبًا الحجاج :
{ يا حجاج بيت الله الحرام !
إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد هيَّأ لكم الفرصة الثمينة لتجددوا أنفسكم ، وترجعوا إلى ربكم ، وتكونوا من أهل الجنة في الآخرة .
وسبيل ذلك : أن تكونوا من أهل الحج المبرور ، ولا يكون حجكم مبرورًا إلا بالتوبة الصادقة ، ومقاطعة الشيطان إلى الأبد ، وفي كلِّ شيء }.
– وسائل تحصيله :
الحج المبرور له وسائل لابد من تحقيقها ؛ حتى يتحقق ، ولا تتأتى لكل أحد ، ومنها :
- إخلاص النية لله ، فمن خرج من بيته من أجل المدح والثناء ، والسمعةِ والمباهاة ؛ حبط عمله ، وضلَّ سعيُه ، قال الله تعالى في الحديث القدسي : ” من عمل عملًا أشرك فيه معيَ غيري ؛ تركتُه وشركَه “. (رواه مسلم)
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذِّر من الرياء والسمعة قائلًا : ” اللهم حجةً لا رياء فيها ولا سمعة “. (صححه الألباني) - الذلّ بين يدي الملك جل وعلا ، وطهارة القلب من آفة العجب بالعمل .
- من برِّ الحج احترام الأماكن المقدسة .
- الاجتهادُ في موافقته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما قلَّ أو كثر ، وعدم مخالفته لشيء من سنته صلى الله عليه وسلم .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول : ” خذُوا عنِّي مناسككم “. (رواه مسلم) - الانقياد لأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وحسن الاتباع فيما لم يُكشف عن معانيه ولو لم تُعلم الحكمة منه .
- المال الحلال ؛ لأنَّ النفقةَ الحرام من موانع الإجابة .
- أيامُ الحجِّ المبرور تُحيَا بذكر الله ، وتُضاء بتلاوةِ آياتِ الله ، وتطهَّر بالاستغفار ، وبذل المعروف ، والدعوة إلى الله عز وجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الغازي في سبيل الله ، والحاجُّ والمعتمر ؛ وفدُ الله ، دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم “. (صحيح الجامع للألباني : 4171)
- ملء الأوقاتِ بالطاعات ، تحصّنُ الحجَّ من الآفات ، ولصوصِ الحسنات ، وتزيد الحجَّ برًّا ، فالأيامُ فاضلة ، وتلك البقاع مفضَّلة ، وفيها تتضاعف الأجور .
- السكينةُ والطمأنينة ، وخفض الصوت ، وعدم الإزعاج وأذية المسلمين ، والهدوء في العبادة والدعاء .
- التلبية في الحجِّ المبرور ذكرٌ لا ينقطع ، فلها معانٍ لو استقرت في قلب الحاج فإنها تصبغ حياتَه وتقوِّم مسيرتَه ، وتهذِّب سيرتَه .
إنها إعلان العبوديةِ والطاعةِ والتذلّل : ” لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك “. - الصحبة الطيبة في الحجّ تقوِّيك إذا ضعفت ، وتذكّرك إذا نسيتَ ، وتدلّك على طريق الخير ، وتحذّرك من طريق الشر .
- من أراد حجًا مبرورًا امتثلَ قولَه صلى الله عليه وسلم : ” من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتْه أمّه “. (البخاري)
فهذه بعض الآداب التي تجب على من رام حجًا مبرورًا ، مشكورًا ، وذنبًا مغفورًا .
– أشهر الحج :
ففي أشهر الحج يقول الله تعالى :
” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ “. (البقرة : 197)
– حكمة الحج :
بيَّن القرآن الكريم حكمة الحج في قوله تعالى :
” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ “. (الحج : 27-29)
– دليل فرضية الحج :
الحجُّ هو الركن الخامس من أركان الإسلام ؛ يقول سيدنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- : ” بُنِيَ الإسلام على خمس؛ شهادةِ أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاء الزَّكاة ، وصومِ رمضان ، وحجِّ البيت من استطاع إليه سبيلًا “. (متفق عليه)
ولقد ثبتت فرضيَّتُه بالكتاب والسُّنَّة ، ونوضِّح ذلك فيما يلي :
- أولًا : القرآن الكريم :
1- يقول الله سبحانه وتعالى : ” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ “. (الحج : 27-29)
2- ويقول عز وجل : ” وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “. (البقرة : 196-199)
3- ويقول -جلَّ علاه- : ” إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ “. (آل عمران : 96-97)
- ثانيًا : السُّنَّة النبوية الشريفة :
1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : خطبَنا رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال : ” يا أيُّها الناس قد فرَض الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا ” ، فقال رجلٌ : أكُلَّ عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا ، فقال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- : ” لو قلت : نعَم لَوَجبَت ، ولمَا استطعتم ” ، ثم قال : ” ذَروني ما تركتُكم ، فإنَّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعوه “.
2- وعن فضل الحجِّ والعمرة ، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال : ” العُمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لِما بينهما ، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة “.
3- روى أبو هريرة عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال : ” من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، رجعَ كما ولدَتْه أمُّه “.
والرَّفث هو الجِماع ، والفسوق معناه المعصية ؛ أيْ : لَم يرتكب معصيةً أثناء الحج ، فمن فعل ذلك عاد مغفورًا له جميعُ ذنوبه .
– فَضْل يومِ عرفة :
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال : ” ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرفة ، وإنَّه ليَدْنو ، ثُمَّ يُباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ “.
فيوم عرفة له فضل عظيم عند الله -سبحانه وتعالى- لأنَّ الوقوف بعرفة هو قمَّة أعمال الحج ؛ يقول -صلَّى الله عليه وسلَّم- : ” الحجُّ عرَفة “.