البربري الفقيه
البربري الفقيه :
يتردد اسمه كثيرًا ، ونتعلم منه كثيرًا ، ونعرف عنه قليلًا ؛ فهو أحد التابعين ، والعلماء الربانيين ، والمفسرين المُكثرين ، والرحالين الجوالين .
هو مولى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ، مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية .
والحرورية : مصطلح يطلق للدلالة على فرقة الخوارج ، نسبة إلى المكان الذي كانوا قد اعتزلوا فيه الخليفة الرابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفارقوا جيشه بعد قبوله مسألة التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في موقعة صفين ، وكان ذلك الموضع يقال له ” حروراء ” فسموا بالحرورية ، وقد قاتلهم أمير المؤمنين وقضى عليهم .
كان بربريًّا من أهل المغرب ، وهو من كبار التابعين ، وكان عبدًا لحصين بن أبي الحر العنبري ، فوهبه لعبدالله بن عباس ، ابن عم سيد الناس ، حين جاء واليًا على البصرة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
صَنَّفَه ابن سعد في الطبقة الثانية من التابعين ، وقال ابن كثير : طاف البلاد ودخل إفريقية واليمن والشام والعراق وخراسان وبث علمه هنالك .
تحدث عنه ابن كثير ، ودافع عنه كثيرًا ، وأنصفه ؛ فقد ذكر ابن كثير في [ البداية والنهاية ] أنه تلقى تعليمه على يد عبدالله بن عباس ، حيث عَلَّمه القرآن والسُّنَّة ، وهذه الفرصة أتاحت له أن يصبح من علماء التابعين ، وكان يقول : كان ابن عباس يجعل فى رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسنن .
ولم يكتف بالتعلم على يد ابن عباس ، بل نهل من علم كثير من الصحابة مثل أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم .
أدرك ما يقرب من مئتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عالمًا متمكنًا بالتفسير والفقه .. ويقول ابن كثير : كان الحسن البصري يمسك عن التفسير والفتوى ما دام ( البربري ) فيها ! وذكر ابن كثير أيضًا أنه طاف إفريقيا واليمن والشام والعراق وخراسان ، ونشر علمه هنالك .
كما أشار ابن كثير في [ البداية والنهاية ] إلى أنه مولى ابن عباس ، كما أسلفنا .
وصل إلى درجة عالية من العلم جعلته من أعلم التابعين ، وأورد ابن كثير قول قتادة : أعلم التابعين أربعة : كان عطاء أعلمهم بالمناسك ، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير ، وكان ( البربري ) أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام .
- شبهات :
الشبهات تجدها في كل زمان ومكان ، حتى مع النبي العدنان ، ومع أصحابه الكرام ، وأحيانًا مع الرب العليّ الرحمن ، ووفقًا لابن كثير فإن ( البربري ) تعرض لثلاث شبهات هي : رميه بالكذب ، الطعن في علمه وفيه شخصيًّا على اعتبار أنه كان يؤيد الخوارج ، كما قدحت ذمته لأنه قيل : إنه يقبل جوائز من الأمراء ، فهذه الأوجه الثلاثة يدور حولها جميع ما طعن به فيه .
وقد فَنَّد ابن كثير هذه الشبهات قائلًا : إن ما يتعلق بالبدعة : فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه ، وأما ما يتعلق بشبهة قبول الجوائز : فلا يقدح أيضًا إلا عند أهل التشديد ، وجمهور أهل العلم على الجواز ؛ كما صنَّف في ذلك ابن عبد البر ، أما فيما يتعلق بشبهة الكذب ، فيشير إلى أن العديد من علماء عصره قد أثنوا عليه ومنهم محمد بن فضيل ؛ عن عثمان بن حكيم : كنت جالسًا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف إذ جاء ( البربري ) فقال : يا أبا أمامة أذكرك الله هل سمعت ابن عباس يقول ما حدثكم عني ( البربري ) فصدِّقوه ؛ فإنه لم يكذب عليّ ؟
فقال أبو أمامة : نعم ، وهذا إسناد صحيح .
كما شهد عنه التابعي الجليل عامر بن شراحيل ( الشعبي ) قائلًا : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله منه .
وقال عنه سفيان الثوري : خذوا المناسك عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، و ( صاحبنا ).
وقال الثوري أيضًا : خذوا التفسير عن أربعة : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، و ( البربري ) ، والضحاك .
وها هو ابن حبان يدلو بدلوه ، فيقول عنه فى كتابه [ الثقات ] : كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ، وحمل عنه أهل العلم الحديث والفقه فى الأقاليم كلها ، وما أعلم أحدًا ذمه بشيء إلا بدعابة كانت فيه .
وأورد أيضًا قول أبي عبدالله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني : إن ( البربري ) مولى ابن عباس روى عنه ما يقرب من ستمئة رجل من أئمة البلدان ، وكان حديثه يُتلَقى بالقبول ويُحتَج به ، قرنًا بعد قرن ، وإمامًا بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة في الحديث النبوي الذين أخرجوا الصحيح ، وميزوا ثابت الحديث من سقيمه ، وخطأه من صوابه .
وفى تهذيب الكمال للحافظ المزي ورد أن عامة أهل العلم أجمعوا على الاحتجاج بحديثه ، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث ومنهم : أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين .
وعندما سُئل إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه قال عنه : هو إمام الدنيا .
وقال عنه ابن حجر العسقلاني فى التراجم : هو ثقة ثبت عالم بالتفسير ، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولم تثبت عنه بدعة .
وأورد ابن كثير في [ البداية والنهاية ] أهم الأقوال المأثورة له ، ومنها قوله : طلبت العلم أربعين سنة ، كما قال : إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل بالكلمة فيُفتَح لي خمسون بابًا من العلم .
توفي البربري الفقيه سنة مئة وخمسة من الهجرة عن عمر يناهز ثمانين عامًا ، ويوم وفاته قال الناس : مات أفقه الناس .