إسلام والد عمران بن حصين :
( ٣٣ ) الحلقة الثلاثة وثلاثون من سيرة الحبيب ﷺ :
فلنبدأ بالصلاة على من أرسله الله رحمة للعالمين ، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
نبدأ حلقتنا اليوم بذكر قصة إسلام والد عمران بن حصين رضي الله عنه .
وعِمران بن حُصَين رضي الله عنه من الصحابة الكِرام ، وقد كانت الملائكة تُسَلِّم عليه رضي الله عنه .
وكان حُصَين ، أبوه ، يعبد الأصنام في الجاهلية ، وكان زعيم له مكانته في قريش .
ولإسلام ” حُصَين ” قصة جميلة مع النبي ﷺ ، فقد جاء في سُنَن الترمذي عن عِمران بن حُصَين قال : ” قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : يا حُصَين ؛ كم تعبد اليوم إلهًا ؟
قال أبي : سبعة ، ستة في الأرض ، وواحدًا في السماء .
قال : فأيُّهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟
قال : الذي في السماء .
قال : يا حُصَين ؛ أما إنك لو أسلمت علَّمتك كلمتين تنفعانِك .
قال : فلما أسلم حُصَين قال : يا رسول الله عَلِّمني الكلمتين اللتين وعدتني .
فقال : قُل : اللهم ألهِمني رُشدي ، وأَعِذنِي من شر نفسي “.
فأسلم الحُصَين وحَسُنَ إسلامه .
انظروا إلى الحوار المنطقي الهاديء ، وكيف كانت نتيجته !
وصدق الله تعالى حين قال : ” ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ “.
وصار عدد المسلمين في زيادة مستمرة ، وفشلت كل وسائل قريش للضغط على النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من المؤمنين ، و أصبحت قريش في أشد حالات الضيق والغيظ .
ففكر المشركون في تهديد عم النبي صلى الله عليه وسلم ” أبي طالب ” ، الذي كان ناصرًا ومعينًا وحاميًا للنبي ﷺ من أذى قريش ، وذلك لأنهم وجدوا أنهم لن يستطيعوا أن يُلحِقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أي أذى طالما أنه يتمتع بحماية عمه أبى طالب ، ولهذا أجمعوا أمرهم على أن يكلموا أبا طالب فى شأنه ، فذهب إليه وفد من أشرافهم يطلبون منه أن يَكُفَّ محمد صلى الله عليه وسلم عن سب آلهتهم وعيب دينهم وتسفيه أحلامهم وضلال آبائهم ( لأن أبا طالب مشرك مثلهم ) ، أو أن يترك محمدًا صلى الله عليه وسلم لهم ، يفعلون به ما شاءوا ، فردهم أبو طالب ردًا جميلًا .
ولكنهم وجدوا أن هذه المقابلة لم تفدهم شيئًا ، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يَكُفّ عن الطعن فى آلهتهم ، والعيب فى آبائهم ، وأبو طالب يشمله بحمايته ويدفع عنه الأذي .
فذهبوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، وقالوا له : ” يا أبا طالب إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا مِنْ شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفّه عنّا ، أو ننازله وإياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين “.
فحزن أبو طالب وأصابه هم شديد فهو بين أمرين أحلاهما مُرٌّ ، فهو إما أن يترك قريشًا تسوم محمدًا صلى الله عليه وسلم سوء العذاب ، وإما أن تقع بينه وبينهم الحرب ، وهم قومه .
لذلك استدعى محمد صلى الله عليه و سلم وأخبره بما قالت قريش ، وقال له : ” يا ابن أخي ، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي : كذا وكذا ، ( أي الذي كانوا قالوا له ) ، فأبق عليّ وعلى نفسك ، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق “.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك ، على أن تُشعلوا لي منها شُعلةً ( يعني الشمس ) “.
فقال أبو طالب : ” اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا “.
لكن المشركون لم يكُفُّوا عن محاولة إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وصده عن دعوته بشتَّى الوسائل ، كما عرفنا في حلقات سابقة ، حتى أنهم قالوا أيضًا تَعنُّتًا : هلَّا أُنزِلَ مع محمَّدٍ مَلَكٌ يكون مُصدِّقًا له ومعاوِنًا ؟!!
فجاءهم رد رب العزة في قرآن يُتلَى : ” وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ “.
وقوله تعالى ” لَّقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ ” : فيه إشارة للقانون الإلهي الذي يقضي بأن الله إذا أنزل معجزة من المعجزات ، فإنه بذلك يكون قد أقام الحُجَّة على الناس ، وبعدها إما الإيمان وإما العذاب والعقوبة ، وهذا مُنتهي العدل .
فالحمد لله رب العالمين .
وقالوا على القرآن أنه قول شاعر فرد اللهُ تعالى : ” وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ “.
وجاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ، ففتته بيده ، فقال يا محمد ، أيُحيِي الله هذا بعد ما أرى ؟ قال : نعم ، يبعث الله هذا ، ثم يميتك ، ثم يُحييك ، ثم يدخلك نار جهنم ، فنزلت الآيات من آخر يس : ” أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ” إلى آخر السورة .
ونُكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله .