أمنا الكبرى

أمنا الكبرى :

هي أمنا من بعد حواء ، زوج سيد الأنبياء ، صاحب الملة العصماء ، والشريعة السمحاء ، وهي أول من آمنت به من النساء .

رفيقته في السراء والضراء .

يلتقي نسبها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده قُصَي أحد الزعماء ، وهو الجد الرابع للنبي وكان لقريش أشهر الرؤساء .

زَمَّلَت أمنا الحبيب المصطفى من بعد حراء ، غطته بغطاء من فوق غطاء ، بعد نزول جبريل عليه بالوحي من السماء .

ذهبت إلى ورقة بن نوفل أحد الحكماء ، وحكت له ما حدث ؛ فبشرها بأنه خاتم الأنبياء .

وهي خير نساء الجنة مع آسية ومريم وفاطمة الزهراء .

هي أم المؤمنين ، وأوّل زوجات النبي ﷺ ، وأمّ أولاده ، وخيرة نسائه ، وأول من آمن به وصدقه .

– حسب ونسب :

يلتقي نسبها مع الرسول ﷺ في جده قصي ، فهي من أقرب نسائه إليه في النسب .

بيتها بيت مجد ، ورياسة ، ومال .

وُلدت رضي اللـه عنها ، بمكة ، ونشأت في بيت شرف ووجاهة .

مات أبوها يوم حرب الفُجَّار .

تزوجت مرتين ، قبل رسول الله ﷺ ، باثنين من سادات العرب ، هما : أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، وجاءت منه بهند وهالة ، وأما الآخر فهو عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، وجاءت منه بهند بنت عتيق .

– تجارتها :

كان لأمنا الكريمة رضي الله عـنها ، حظٌ وافر من التجارة ، فكانت قوافلها لا تنقطع بين مكّة وحواضر التجارة آنذاك .. لتضيف ، إلى شرف مكانتها وعلوّ منزلتها ، الثروة والجاه ؛ حتى غدت من تجّار مكّة المعدودين .

وبلغت منزلة عظيمة في الكرم والأخلاق الرفيعة ، إذ كانت ، نساء مكة ، والمقربات إليها يعرفن عنها ذلك ؛ فكن يذهبن بأنفسهن إليها في بيتها ، فينلن من كرمها وفضلها الشيء الكثير .

– زواج مبارك :

كان رسول الله ﷺ واحدًا من الذين تعاملوا معها في التجارة .

تقول الروايات :
إنها أرسلته مرة إلى الشام ، بصحبة غلامها ميسرة .
ولما عاد ، أخبرها الغلام بما رآه من أخلاق الرسول ﷺ ، وما لمسه من أمانته وطهره ، وما أجراه الله على يديه من البركة ، حتى تضاعف ربح تجارتها ؛ فرغبت به زوجًا .
وسرعان ما خطبها حمزة بن عبد المطلب ، لابن أخيه ، من عمها عمرو بن أسد بن عبد العزى .
وقد أصدقها عشرين بكْرة .
وتمّ الزواج قبل البعثة بخمس عشرة سنة ، وللنبي ﷺ ، آنذاك ، خمس وعشرون سنة ، بينما كان عمرها أربعين سنة .

– بيت هانئ :

عاش الزوجان حياة كريمة هانئة ، وقد رزقهما الله ستة من الأولاد : القاسم ، وعبد الله ، وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، رضي الله عنهـم أجمعين .

كانت سيدتنا رضي الله عنـها ، تحب النبي ﷺ حبًّا شديدًا ، وتعمل على نيل رضاه ، والتقرّب إليه ، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة ، لما رأت من ميله إليه ﷺ .

وتمكنت ، رضي اللـه عنها ، من أن تهيئ للنبي ﷺ بيتًا هانئًا قبيل البعثة ، إذ أعانته على خلوته في غار حراء ، وواسته بنفسها ومالها .

وعند البعثة ثبتته وصَدَّقته ، عندما جاءها خائفًا يرتجف قائلًا : « زملوني زملوني » .. فزملوه حتى ذهب عنه الروع .

فكان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي ﷺ ، والوقوف معه ، بما آتاها الله من رجحان عقل ، وقوّة شخصيّة ، وحكمة واعية .

– بدء الوحي :

أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، أنها قالت : أول ما بُدئ به رسول الله ﷺ من الوحي ، الرؤيا الصالحة ( وعند مسلم الصادقة ) في النوم .
وكان لا يرى رؤيا ، إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حُبِّب إليه الخلاء ؛ فكان يخلو بغار حراء ، يتحنث فيه : وهو تعبد الليالي ذوات العدد ( أي الليالي الكثيرة ) ، قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى السيدة ….. ، رضي الله عـنها ، فيتزود لمثلها ؛ حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه المَلَك ، فقال : اقرأ .. قال : ما أنا بقارئ ، ( أي لا أحسن القراءة ) .. قال : فأخذني ، فغطني ( ضمني ) ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ .. فقلت : ما أنا بقارئ .. فأخذني ، فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ .. فقلت : ما أنا بقارئ .. فأخذني ، فغطني الثالثة ، ثم أرسلني ، فقال : ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ” .… إلى آخر السورة .. فرجع بها النبي ﷺ ، يرجف فؤاده ، فدخل على السيدة …. رضي الله عنـها ، فقال : « زملوني زملوني » ، فزملوه ، حتى ذهب عنه الروع ، فقال لزوجته ، وأخبرها الخبر : « لقد خشيت على نفسي » ، فقالت له : كلا ، والله ، ما يخزيك الله أبدًا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ( الضعيف ) ، وتُكسب المعدوم ( الفقير ) ، وتقري الضيف ( تكرمه ) ، وتعين على نوائب الحق .. فانطلقت به رضي الله عـنها ، حتى أتت به ورقة بن نوفل ، ابن عمها ، وكان امرأً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب .. وكان شيخًا كبيرًا قد عمي ، فقالت له : يا بن عمي ، اسمع من ابن أخيك .. فقال له ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى .

فقال له ورقة : « هذا هو الناموس ، جبريل -عليه السلام- الذي نزّل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعًا ( أي شابًا قويًّا ) ، ليتني أكون حيًّا ، إذ يخرجك قومك .. فقال النبي ﷺ : « أو مخرجيّ هم ؟ » .. قال : نعم ، لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عُودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا .
ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي ( أي انقطع ).

وعندما جاءت البعثة النبوية ، منذ نزول قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّر ” ، أي يا أيها المتدثر بثيابك ، قم فأنذر الناس ، وحذرهم من عقاب الله تعالى ؛ فكانت له أمرًا بأن يدعو الناس إلى الإسلام ؛ امتثل ﷺ لأمر ربه ، وأخذ يدعو الناس إلى الإسلام سرًا ، لكي لا يثير عداوة قريش .. فبدأ ﷺ بأهله وأصدقائه ، وكانت زوجه ، رضي الله عـنها ، أول من آمن بدعوته إلى الإسلام ، كما أسلم زيد بن حارثة ، رضـي الله عنه ، وكان مولى لها ، رضي الله عنهـا .

وكانت رضي الله عـنها ، قد وهبت نفسها وبيتها لخدمة المسلمين ، واستغلت مكانتها في دفع الأذى عن رسول الله ﷺ ، لذلك حزن النبي أشد الحزن على وفاتها ، إذ كانت له نعم العون والنصير .

– بيتها في الجنة :

تلك هي أمنا السيدة العظيمة ، رضي الله عنـها ، التي بعث الله إليها تحيته تقديرًا لما قدمته للدعوة الإسلامية ، فبشرها الله ببيت في الجنة من اللؤلؤ المجوف ( القصب ) ، لا تعب فيه ولا منازعة .. فكانت بذلك الأسبق إلى الجنة ، كما كانت الأسبق إلى الإسلام ؛ إذ لما علمت ، رضي الله عنـها ، بذلك لم تتردّد لحظةً في قبول دعوته لتكون أول من آمن برسول الله ، وصدّقه .

ليس هذا فحسب ، بل قامت معه تسانده في دعوته ، وتؤانسه في وحشته ، وتذلّل له المصاعب ، فكان الجزاء من جنس العمل ، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .. والحديث ورد بعدة روايات في ( البخاري ) ، وغيره .

يقول ابن حجر في شرح هذا الحديث : { لما دعا الرسول ﷺ ، إلى الإسلام أجابت ( أُمُّنَا ) طوعًا ، فلم تحوجه إلى رفع صوت ، ولا منازعة ، ولا تعب في ذلك ؛ بل أزالت عنه كل نصب ، وآنسته من كل وحشة ، وهونت عليه كل عسير ؛ فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها }.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين ، فيقول : « إني قد رزقت حبّها » ، ويقول ﷺ : « آمنت بي ، إذ كفر بي الناس .. وصدّقتني ، إذ كذبني الناس .. وواستني بمالها ، إذ حرمني الناس .. ورزقني الله عز وجل ولدها ، إذ حرمني أولاد النساء ».


إنها أمنا الكبرى أم المؤمنين الأولى ( الطاهرة ) : خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها .

ندعوكم لقراءة : الحصان الرزان

Exit mobile version