أشكال الوحي الذي نزل على النبي ﷺ
أشكال الوحي الذي نزل على النبي ﷺ :
( ٢٢ ) الحلقة الثانية والعشرون من سيرة الحبيب ﷺ :
تعالوا أولًا نُصَلِّ على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
سَنَقُصًُ عليكم اليوم قصة اللقاء الثاني بين جبريل عليه السلام ومحمد ﷺ .
قد عرفنا في الحلقة الماضية كيف فتر الوحى عن النبي صلى الله عليه وسلم أيامًا وأيامًا حتى الليلة الموعودة ، ليلة اللقاء الثاني بجبريل عليه السلام .
وبين حزن وبكاء محمد ﷺ و بعد انتظار طويل فى الغار ، نزل محمدٌ ﷺ من على الجبل ومشى فى الصحراء وفجأة سمع صوتًا ، فرفع رأسه فوجد جبريل عليه السلام يجلس على كرسي بين السماء والأرض .
والقصة يحكيها لنا صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِهِ فيقول :
” فَبيْنَا أنَا أمْشِي إذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا المَلَكُ الذي جَاءَنِي بحِرَاءٍ جَالِسٌ علَى كُرْسِيٍّ بيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ ، فَجَئِثْتُ منه رُعبًا ، فَرَجَعْتُ فَقُلتُ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ﴾ إلى ﴿ وَٱلرِّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ ﴾ “.
ومن هذه اللحظة في اليوم الذي قال له ربه ﴿ قُمۡ فَأَنذِرۡ ﴾ ، ومنذ أن قال الله له ( قُمۡ ) ما توقف عليه الصلاة والسلام حتى توفي وظل ثلاثًا وعشرين عامًا يدعو إلى الله ، ويحمل همّ أُمَّته ، بل يحمل همّ هداية جميع البشر .
ويتتابع نزول الوحي عليه ﷺ بآيات القرآن الكريم ، وهكذا أصبح محمدٌ صلى الله عليه وسلم رسول الله ونبي الله ومصطفاه وخليله ، محمد صلى الله عليه وسلم رحمة مُهداة للعالمين ، وحتى لغير المسلمين .
وقد أحبَّ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وارتبط به .
ولقد علَّم جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة .
وكان جبريل عليه السلام أول من صلى صلاة المسلمين وأول صلاة كان جِبْرِيل عليه السلام الإمام والنبي ﷺ يُصَلِّي وراءه .
وأول صلاة صلَّاها جبريل عليه السلام في الإسلام هي صلاة الظهر ، وتُسَمَّى ( الأولى ) عند بعضهم لأنها أول صلاة صلَّاها جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة ليلة الإسراء ، جاء ذلك في آثار كثيرة عن بعض الصحابة والتابعين .
أشكال نزول الوحي على الرسول ﷺ :
١- الرؤيا الصالحة : رؤيا الأنبياء وحي وأمر من الله .
٢- النفث في الرَّوع : أي ينفخ جِبْرِيل عليه السلام في روح النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا معينًا .
٣- الصورة البشرية : يتمثل جِبْرِيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة بشر .
٤- صلصلة الجرس : أي كَرَنِين الجرس ، فلم يكن يراه في تلك الحالة ، وإنّما كان يدخل في حالةٍ فلا يذهب عنه الوحي إلّا وقد فهم ما قاله جبريل عليه السلام ، وقد كانت تلك هي أشدّ الحالات عليه صلى الله عليه وسلم ، حتى أنّه كان عندما يأتيه في الأيام شديدة البرد يتصبب جبينه عرقًا .
٥- في الصورة الملائكية :
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لَمْ أرَهُ يعني جبريل عليه السلام علَى صُورَتِهِ الَّتي خُلِقَ عليها غيرَ هاتَيْنِ المَرَّتَيْن “.
وبيَّن الإمام أحمد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن المرة الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خُلِق عليها ، والثانية عند المعراج .
وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم لنا بقوله : ( رأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّماءِ سادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بيْنَ السَّماءِ إلى الأرضِ ) ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام له ستمائة جناح .
٦- تكليم الله تعالى مباشرةً من وراء حجاب ، في اليقظة كما حصل ليلة المعراج ،
ومنامًا كما في حديث سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال :
( احتُبِسَ عنَّا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ذاتَ غداةٍ من صلاةِ الصُّبحِ حتَّى كدنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ ، فخرجَ سريعًا فثوِّبَ بالصَّلاةِ ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وتجوَّزَ في صلاتِهِ ، فلمَّا سلَّمَ دعا بصوتِهِ فقالَ لَنا : علَى مصافِّكم كما أنتُمْ ثمَّ انفتلَ إلينا فقالَ : أما إنِّي سأحدِّثُكُم ما حبسَني عنكمُ الغداةَ : أنِّي قمتُ منَ اللَّيلِ فتوضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي فنعَستُ في صلاتي فاستثقلتُ ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ ) … إلى أن قال في آخر الحديث : ( قُل : اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فعلَ الخيراتِ ، وتركَ المنكراتِ ، وحُبَّ المساكينِ ، وأن تغفِرَ لي وترحمَني ، وإذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيرَ مفتونٍ ، وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ ).
ونُكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله .