آيات لأولي الألباب
آيات لأولي الألباب :
قال الله تعالى :
« أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ». (الغاشية : 17-22)
كان شريح القاضي ، رحمه الله تعالى ، يقول :
{ اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خُلِقت }.
يا لها من كلمة معبرة عن الوعي العميق ، والفهم الدقيق ، لكلام الله ، مع التصديق .
الإبل ، وما أدراك ما الإبل ؛ خلقٌ عجيب ، تركيبها غريب ؛ فهي في غاية القوّة والشّدّة ، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل ، وتنقاد للقائد الضئيل .
ولقد كان غالب دواب العرب : الإبل ؛ ولهذا طلب منهم الرب الجليل ، أن ينظروا في عظمة خلقه ، وإبلهم بين أيديهم ، وأمام أعينهم ليل نهار .
قالَ عبد الرَّحمَن بنُ ناصر السّعدِي رحمه الله : يقولُ تعالَى حثًّا للذينَ لا يصدقونَ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ولغيرهمْ منَ الناسِ ، أنْ يتفكرُوا في مخلوقاتِ اللهِ الدالةِ على توحيدهِ : { أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } ؛ أي : ينظرونَ إلى خلقهَا البديعِ ، وكيفَ سخرَهَا اللهُ للعبادِ ، وذلَّلهَا لمنافعهمُ الكثيرةِ التي يضطرونَ إليهَا .
{ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ }
انظروا إلى السماء فوقكم ، فوق الأَرضِ بِلا عَمَدٍ ترونها ، عَلَى وَجْهٍ لا ينالُه الفَهم ولا يُدرِكه العَقل .
{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ }
قال الإمام السعدي رحمه الله : نصب الله عز وجل ، الجبال بهيئة باهرة ، حصل بها استقرار الأرض وثباتها عن الاضطراب ، وأودع فيها من المنافع الجليلة ما أودع .
{ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }
وقال أيضًا :
أي : مُدّت مدًّا واسعًا ، وسهلت غاية التسهيل ؛ ليستقر الخلائق على ظهرها ، ويتمكنوا من حرثها وغراسها ، والبنيان فيها ، وسلوك الطرق الموصلة إلى أنواع المقاصد فيها .
- تفرده بالخلق :
تفرد الله ، جل في علاه ، بخلق السماوات والأرض وما فيهما ، وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته .
قال عز من قائل : « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ». (البقرة : 164)
{ لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس } ؛ تلك في ارتفاعها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها ، وهذه الأرض في انخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع .
{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ }
طلب الرب العلي من حضرة النبي ، أن يذكر الناس ويعظهم ، وينذرهم ويبشرهم ، فإنه ، صلى الله عليه وسلم ، مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم .
{ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ }
فعِظْ – أيها الرسول – المعرضين بما أُرْسِلْتَ به إليهم ، ولا تحزن على إعراضهم ، إنما أنت واعظ لهم ، ليس عليك إكراههم على الإيمان .
وما على الرسول إلا البلاغ .
يقول الملك الحق في سورة يونس : « قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ». (يونس : 101)
وفي هذه الآية الكريمة ، يدعو الله عز وجل عباده أن ينظروا لما في السماوات والأرض ؛ نظر فكر وتأمل واعتبار ، وهي لأولي الأبصار .
فإن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ، وعبرًا لقوم يوقنون .
وهي تدل على أن الله وحده ، المعبود المحمود ، ذو الجلال والإكرام ، والأسماء والصفات العظام .
{ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } ؛ فإنهم لا ينتفعون بالآيات لإعراضهم وعنادهم .
- أولو الألباب :
مثل هذه الآيات في الكتاب المسطور ، أو في الكون المنظور ، إنما هي لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ، ويتفكرون في خلق السموات والأرض ، ويعترفون بعظمة الخالق ، ثم يدعونه ؛ فيستجيب لهم ، يقول الله عنهم :
« إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ». (آل عمران : 190-195)