وجعلنا نومكم سباتا :
السبت والسبات ، لهما معانٍ كثيرة ، أهمها ما ورد في الآية الكريمة من سورة ” النبأ “ ؛ ومعناها : السكون والراحة .
وسنذكر الآية الكريمة ، ونتبعها بتفسير للإمام الطبري رحمه الله تعالى ، ثم نتحفكم بكلام ابن منظور ، وكلامه المأثور ، في معجمه الكبير [ لسان العرب ] ، وما أدراكم ما لسان العرب ، إنه من أعجب العجب ، ومن أجمع ما كُتب .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : ” وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا “. (النبأ : 9)
يقول الإمام الطبري : ” وجعلنا نومكم سباتا ” ؛ أي جعلنا نومكم لكم راحة ودَعة ، تهدءون به وتسكنون ، كأنكم أموات لا تشعرون ، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح ، والسبت والسبات : هو السكون ، ولذلك سُمِّي السبت سبتًا ، لأنه يوم راحة ودعة .
- وفي لسان العرب :
السبت : الراحة. وسبت يسبت سبتًا : استراح وسكن .. والسبات : نوم خفي كالغشية .. وقال ثعلب : السبات ابتداء النوم في الرأس حتى يبلغ إلى القلب .. ورجل مسبوت ، من السبات ، وقد سبت ، عن ابن الأعرابي وأنشد :
وتركت راعيها مسبوتًا … قد هم لما نام ، أن يموتا
التهذيب : والسبت السبات ؛ وأنشد الأصمعي :
يصبح مخمورًا ، ويمسي سبتا
أي مسبوتا .
والمسبت : الذي لا يتحرك ، وقد أسبت .. ويقال : سبت المريض ، فهو مسبوت .. وأسبت الحية إسباتًا إذا أطرق لا يتحرك ؛ وقال :
أصم أعمى ، لا يجيب الرقى … من طول إطراقٍ وإسباتِ
والمسبوت : الميت والمغشي عليه ، وكذلك العليل إذا كان ملقى كالنائم يغمض عينيه في أكثر أحواله ، مسبوت .. وفي حديث عمرو بن مسعود ، قال لمعاوية : ما تسأل عن شيخ نومه سبات وليله هبات ؟ السبات : نوم المريض والشيخ المسن ، وهو النومة الخفيفة ، وأصله من السبت ، الراحة والسكون ، أو من القطع وترك الأعمال ، والسبات : النوم وأصله الراحة ، تقول منه : سبت يسبت ، هذه بالضم وحدها .. ابن الأعرابي : في قوله عز وجل : وجعلنا نومكم سباتًا ؛ أي قطعًا ؛ والسبت : القطع فكأنه إذا نام فقد انقطع عن الناس .. وقال الزجاج : السبات أن ينقطع عن الحركة ، والروح في بدنه ، أي جعلنا نومكم راحة لكم .. والسبت من أيام الأسبوع ، وإنما سُمِّي السابع من أيام الأسبوع سبتًا لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه ، وقطع فيه بعض خلق الأرض ؛ ويقال : أُمر فيه بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها ؛ وفي المحكم : وإنما سمي سبتًا لأن ابتداء الخلق كان من يوم الأحد إلى يوم الجمعة ، ولم يكن في السبت شيء من الخلق ، قالوا : فأصبحت يوم السبت منسبتة أي قد تمت وانقطع العمل فيها ؛ وقيل : سّمّي بذلك لأن اليهود كانوا ينقطعون فيه عن العمل والتصرف ، والجمع أسبت وسبوت وقد سبتوا يسبتون ويسبتون ، وأسبتوا : دخلوا في السبت .. والإسبات : الدخول في السبت .. والسبت : قيام اليهود بأمر سبتها .. قال تعالى : ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ؛ وقوله تعالى : ” وجعلنا الليل لباسًا والنوم سباتًا ” ؛ قال : قطعًا لأعمالكم .. قال : وأخطأ من قال : سُمي السبت ؛ لأن الله أمر بني إسرائيل فيه بالاستراحة ؛ وخلق هو عز وجل ، السماوات والأرض في ستة أيام ، آخرها يوم الجمعة ثم استراح وانقطع العمل ، فسمي السابع يوم السبت .
قال : وهذا خطأ لأنه لا يعلم في كلام العرب سبت بمعنى استراح ، وإنما معنى سبت قطع ، ولا يوصف الله تعالى وتقدس بالاستراحة ، لأنه لا يتعب والراحة لا تكون إلا بعد تعب وشغل ، وكلاهما زائل عن الله تعالى ، قال : واتفق أهل العلم على أن الله تعالى ابتدأ الخلق يوم السبت ، ولم يخلق يوم الجمعة سماءً ولا أرضًا .
وفي الحديث : فما رأينا الشمس سبتًا ؛ قيل : أراد أسبوعًا من السبت إلى السبت ، فأطلق عليه اسم اليوم ، كما يقال : عشرون خريفًا ويُراد عشرون سنة ؛ وقيل : أراد بالسبت مدة من الأزمان قليلة كانت أو كثيرة .
وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : لا تك سبتيًّا أي ممن يصوم السبت وحده .
ندعوكم لقراءة : فروق لغوية في القرآن
– لسان العرب :
لسان العرب هو معجم لغوي عربيّ من تصنيف محمد بن مكرم بن عليّ ابن منظور الخزرجي الأنصاري ، المولود 630 هـ ، والمتوفى 711 هـ .. وهو مؤرخ ، وعالم باللغة ، وقاض . (طرابلس الغرب)
قال الزركلي في وصف المعجم : « إن مؤلفه جَمَعَ فِيهِ أمهات كتب اللغة ، فكاد يغني عنها جميعًا ».
وقال البعلبكي : « يُعتبر أشهر المعاجم العربية غيرَ مُنازَع ، لضخامة مادته ، ولاشتماله على مجموعة كبيرة من الشواهد الصحيحة التي استقاها من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومن أمثال العرب وأشعارها ».
انتهى ابن منظور من تأليفه في سنة 690 هـ .
وقد رتّبه على أساس الحرف الأخير من الجذر الثلاثي ، واضعًا ذلك بُغْيةَ تمكين الشعراء من العثور على القوافي التي يطلبونها لقصائدهم المطوَّلة .
رحم الله ابن منظور رحمة واسعة .