نعمة الولد

الولد نعمة وأمانة ، لوالده غُنمُها وعليه غُرمُها .

ولله در الشاعر القائل :

وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا … أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ

لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم … لامتنعتْ عيـني من الغَمْضِ

( حِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي ).

يقول الله الملك الحق :

” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا “. (الكهف : 46)

الولد نعمة عظيمة من نعم الملك جل في علاه ، يهبها لمن يشاء ، ويمسكها عمن يشاء ، وقد بشرت الملائكة بهم رسل الله وزوجاتهم ، قال الله تعالى : ” يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا “. (مريم : 7)
وقال عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- : ” وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ “. (هود : 71)

– سعادة .. وسعادة :

سأل ابن أباه :
ما الفرق بين ابتسامتي وابتسامتك ؟
فأجابه الأب :
أنت تبتسم عندما تكون سعيدًا ، وأنا أبتسم عندما أراك سعيدًا .
” وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “.

– أول مولود في الإسلام :

عبدالله بن الزبير بن العوام -رضي الله عنهما- هو أول مولود في الإسلام .

وهذا هو هَدْي الحبيب محمد ، المعلم صلى الله عليه وسلم في مسألة المولود الجديد ؛ ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : حملت بعبدالله بن الزبير ، فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدتُه بقباء ، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضعته في حجره ، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه ، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حنَّكه بتمرة ثم دعا له وبَرَّك عليه ، وكان أول مولود وُلد في الإسلام .

– ابن أبي موسى :

وفي صحيح البخاري كذلك عن أبي موسى رضي الله عنه قال : وُلِد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسمَّاه إبراهيم ، وحنَّكَه بتمرة ودعا له بالبركة ، ودفعه إليَّ ، وكان أكبر ولد أبي موسى رضي الله عنه .

– جعله الله مباركًا :

وجاء عن أيوب السختياني عند الطبراني في الدعاء ، وابن أبي الدنيا في كتاب العيال من طريق حماد بن زيد قال : كان أيوب إذا هنأ رجلًا بمولود قال : ” جعله الله مباركًا عليك ، وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم “.

– تهنئة المولود له :

” بارك الله لك في الموهوب ، وشكرت الواهب ، وبلغ أشدهُ ، ورُزِقت برهُ “.

ويردُ عليه المُهَنأ فيقول :
” بارك الله لك وبارك عليك ، وجزاك الله خيرًا ، ورزقك الله مثله ، وأجزل ثوابك “.

( انظر الأذكار للنووي ).

ويقول بعض أهل العلم :
هذا الدعاء المذكور يُروى عن الحسن البصري رحمه الله ، ولم يثبت عنه بسند صحيح ، بل طرقه إليه شديدة الضعف .
والذي ثبت في هذا المقام الدعاء والتبريك دون تخصيص بصيغة معينة .

– حرث الدنيا :

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
” المال والبنون حرث الدنيا ، والأعمال الصالحة حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لأقوام “.

– المال والبنون :

الوسيط كتاب في تفسير القرآن الكريم للأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي -رحمه الله- يقول في تفسير الآية الكريمة :
المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، ويتباهى بها على غيره .
وإنما كانا كذلك ؛ لأن في المال -كما يقول القرطبي- جمالًا ونفعًا ، وفي البنين قوة ودفعًا .

قال الآلوسى :
تقديم المال على البنين -مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس- لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك ، ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بغير مال فهو في أضيق حال .
وفي التعبير بقوله -سبحانه- زينة ، بيان بديع ، وتعبير دقيق لحقيقتهما ، فهما زينة وليسا قيمة ، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس ، وإنما توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح ، كما قال -تبارك وتعالى- : ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ “.

– المعلم صلى الله عليه وسلم :

اهتم المعلم -صلى الله علي وسلم- بأمر المولود منذ ولادته ، بل وقبل ولادته ، فأمر صلوات ربي وسلامه عليه ، الرجل باختيار الزوجة الصالحة ، التي ستكون أمًّا ومربية للطفل ، كما رغَّب المرأة في إيثار الزوج الصالح ، الذي سيكون أبًا وقدوة له ؛ لينشأ الطفل ويتربى في بيئة إيمانية صالحة .

ندعوكم لقراءة : أولادنا ثمار قلوبنا

– أحكام مع الإمام ابن باز :

مع المُحَدِّث الفقيه ، الإمام ابن باز رحمه الله تعالى ، والذي قال عنه الألباني : { مجدد هذا القرن } ، ومع هذه الأحكام عن المولود :

ثابت ، أما وزنه ، والتصدق بزنته ، جاء في بعض الأحاديث التي لا أعلم صحتها ، يحتاج إلى إعادة نظر فيها -إن شاء الله- في حلقة أخرى غير هذه .

هذه سُنَّة شرعها الله -جل وعلا- لعباده ، وسنها فينا الرسول ﷺ وشرع أن يُذبح عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، وقال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ، ويحلق ، ويسمى ، هذا شيء شرعه الله ، وبها مصالح ، لا شك أنه لم يشرع عبثًا ، ولا سدى .

ورد في بعض الأحاديث أنه يؤذن في اليمنى ، ويقام في اليسرى ، وفي سندها بعض الضعف ، ولكنه من عمل المسلمين ، فمن فعل ذلك ؛ فلا بأس ، ومن تركه ؛ فلا بأس ، أن يؤذن في اليمنى ، ويقيم في اليسرى ، اليوم السابع ، ويسميه ، هذا مستحب عند جمع من أهل العلم .

– بعض التفاصيل :

إذا جاء المولود الجديد -الولد أو البنت- فله في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الحقوق والآداب على الوالدين فعلها معه ، ومنها :

من الصور الظاهرة في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تبين مدى اهتمامه وحرصه على تربية الأبناء على عقيدة التوحيد ، أمره للوالدين بالأذان في أذن المولود حين ولادته حتى يكون أول ما يقرع سمعه كلمات التوحيد ، فعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : ” رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذَّن في أذن الحسن بن علي -حين ولدته فاطمة- بالصلاة “. (رواه الترمذي)

قال ابن القيم : { وسر التأذين -والله أعلم- : أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته ، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام ، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا ، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها}.

التحنيك هو مضغ الشيء ووضعه في فم المولود ، وقد ذكرنا حديث أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما- آنفًا .

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم . (رواه مسلم)

كما يُستَحَب الدعاء للمولود بالبركة ، وتبشير من وُلِدَ له مولود وتهنئته بذلك .

ويقول ابن القيم رحمه الله في البشارة والتهنئة بالمولود : { فإن فاتته البشارة استحب له تهنئته ، والفرق بينهما أن البشارة إعلام له بما يسره ، والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به }.

التهنئة بالولد والبنت : وفي ذلك يقول ابن القيم : { ولا ينبغي للرجل أن يهنئ بالابن ولا يهنئ بالبنت ، بل يهنئ بهما أو يترك التهنئة ليتخلص من سيئة الجاهلية ، فإن كثيرًا منهم كانوا يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها }.

العقيقة هي الذبيحة التي تُذبَح عن المولود ، فرحًا به وشكرًا لله على نعمه ، وهي سُنَّة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” من وُلِدَ لَه ولدٌ فأحبَّ أن ينسكَ عنه فلينسك ، عن الغُلام شاتان مُكافئتان وعنِ الجاريةِ شاة “. (رواه أبو داود)

وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ” كلُّ غلامٍ مرتَهَنٌ بعقيقتِهِ تُذبَحُ عنه يوم السابع ، ويُحلقُ رأسُهُ ، ويُسمَّى “. (رواه أبو داود)

ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ، وتجزئ الشاة الواحدة عن المولود -ذكرًا كان أو أنثى- ، فعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- : ” عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا “. (رواه أبو داود وصححه الألباني)

ويُسَن أن تُذبح العقيقة يوم السابع للولادة ، فإن لم يكن ففي الرابع عشر ، وإلا ففي الحادي والعشرين ، فعن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ” العقيقةُ تُذبَحُ لسبعٍ ، أو أربع عشرة ، أو إحدى وعشرينَ “. (رواه أبو داود)

ومن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المولود حلق شعر رأسه في اليوم السابع من ولادته ، وأن يتصدق بوزن هذا الشعر فضة ، ويكون الحلق عقب ذبح العقيقة ، لما رواه أحمد عن علي -رضي الله عنه- أنه قال : ” عقَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحسن بشاة ، وقال : يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة ، قال : فوزنته فكان وزنه درهمًا أو بعض درهم “. (رواه الترمذي)

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي أولادنا بأحسن الأسماء ، كما نهى عن تسميتهم بأسماء لا تليق ، أو أسماء غير جائزة شرعًا .

وفي ذلك اهتمام من المعلم -صلى الله عليه وسلم- بالطفل منذ ولادته ، ومكرمة له تساعده على الابتهاج حين يُدْعَى باسم حسن .

عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :

” أحب الأسماء إلى الله تعالى : عبدالله وعبد الرحمن “. (رواه أبو داود)

عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :

” ولا تُسمِّينَّ غلامَك يَسارًا ، ولا رَباحًا ، ولا نَجيحًا ، ولا أفلحَ ، فإنك تقول : أثَمَّ هُوَ ؟ فلا يكون “. (رواه مسلم)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يرثُ الصبيُّ حتى يستهلَّ صارخًا ، واستهلالُه أن يصيحَ أو يَعطسَ أو يبكي “. (رواه ابن ماجه وصححه الألباني)

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ” أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ، حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير : صاعًا من تمر ، أو صاعًا من شعير “. (رواه مسلم)

Exit mobile version