من أمثال العرب :
الأمثال هي أقوال تعكس صور المجتمعات في كل زمان ومكان ؛ فهي مرآة حقيقية لأخلاق البيئة التي قيلت فيها ، كما تبين مدى رقيها أو غير ذلك ، وتُعد وسيلةً لتقييم أدب الشعوب ولغتها .
وقد أكثر العرب من ضرب الأمثال ، فلم يتركوا بابًا إلا ولجوه ، ولا طريقًا إلا سلكوه .
– تعريف المثل :
المثل هو قول موجز محكي سائر ، قيل في حادثة ما ، يُقصد منه تشبيه حال الذي يُحكى فيه بحال الذي قيل لأجله أول مرة ، بذيع على الألسن على مر العصور ، وله مورد ومضرب .
أما المورد فهو المناسبة التي قيل فيها المثل لأول مرة ، وأما المضرب فهو الحالة التي تشبه تلك المناسبة التي قيل فيها المثل لأول مرة .
وللأمثال سمات فنية تعتمد على :
الإيجاز ، وجمال الصياغة ، ووضوح الدلالة .
شحن الألفاظ بالخبرات والتجارب الإنسانية التي تحمل توجيهًا سلوكيًا يهدف إلى الخير .
– ومن أمثال العرب :
1- الموضوع فيه إنَّ
دائمًا يُقال « الموضوع فيه إنّ »
ما قصة هذه الـ « إنّ »
كان في مدينةِ حلَب أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ شجاعٌ اسمه ( علي بن مُنقِذ ) ، وكان تابعًا للملك ( محمود بن مرداس ).
حدثَ خلافٌ بين الملكِ والأمير ، وفطِن الأمير إلى أنّ الملكَ سيقتله ، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى بلدة دمشق .
طلب الملكُ مِنْ كاتبِه أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ ، يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب .
وكان الملوك يجعلون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي ، حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك ، بل وكان أحيانًا يصيرُ الكاتبُ ملِكًا إذا مات الملك .
شعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير ، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا ، ولكنه كتبَ في نهايتها :
” إنَّ شاء اللهُ تعالى ” ، بتشديد النون .
لما قرأ الأمير الرسالة ، وقف متعجبًا عند ذلك الخطأ في نهايتها ، فهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته ، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شئ ما حينما شدّدَ تلك النون !
ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى :
” إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ “. (القصص : 20)
ثم بعث الأمير رده برسالة عادية يشكرُ للملكَ أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به ، وختمها بعبارة :
« أنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام » ، بتشديد النون .
فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن ، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى :
” إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا “. (المائدة : 24)
واطمأن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذ لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر .
ومنذ هذه الحادثة ، صارَ الجيلُ بعدَ الجيلِ يقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه شكٌّ أو غموض :
« الموضوع فيه إنّ » !
2- وافق شَنٌّ طَبَقَة
وافق شن طبقة هو مثل يُضرَب به لمتماثِلَيْن أو متشابِهَين يلتقيان ويتوافقان أو يكمل كل منهما الآخر .
ذكر ابن الجوزي في كتابه ” الأذكياء ” : قال الشرقي بن فطامي : كان ” شنٌّ ” من دهاة العرب ، فقال : واللهِ لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي فأتزوجها ، فسار حتى لقي رجلًا يريد قرية يريدها شنّ ، فصحبه فلما انطلقا ، قال له شنّ : أتحملني أم أحملك ؟ فقال الرجل : يا جاهل كيف يحمل الراكب الراكب ؟!
فسارا حتى رأيا زرعًا قد استحصد ، فقال شنّ : أترى هذا الزرع قد أُكِل أم لا ؟ فقال : ما بالك أيها الجاهل ، أما تراه قائمًا ؟!
وبعد فترة مرا بجنازة ، فقال : أترى صاحبها حيًّا أو ميتًا ؟ فقال : ما رأيت أجهل منك ، أتراهم حملوا إلى القبور حيًّا !!
ثم سار به الرجل إلى منزله ، وكانت له ابنة تُسمى ” طبقة ” ، فقص عليها القصة ، فقالت : أما قوله : ” أتحملني أم أحملك ” فأراد به أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا ، وأما قوله : ” أترى هذا الزرع قد أُكل أم لا ” فأراد به لقد باعه أهله فهل أكلوا ثمنه أم لا ، وأما قوله في الميت فإنه أراد أترك عقبًا يحيى به ذكره بعد موته أم لا .
فخرج الرجل إلى شنّ ، فحادثه ثم أخبره بقول ابنته ؛ فخطبها منه فَزَوَّجَه إياها ، فحملها إلى أهله ، فلما عرفوا عقلها ودهاءها ، قالوا :
وافق شَنٌّ طَبَقَة .
3- على نفسها جنت براقش
لقد اختلفت كتب التراث حولها حتى قدّمت ثلاث حكايات ، كما قدمت العديد من الصيغ لهذه المقولة الشهيرة .
جاء في معاجم اللغة ، أن بِراقش بكسر القاف ، كلبة ضُرب بها المثل في الشؤم على قومها ، فقيل : ” على أهلها جنت براقش “.
ولهذه المقولة الشهيرة ثلاث صيغ ، يقول المؤرخ والأديب الإماراتي جمال بن حويرب : نقلت كتب الأمثال القديمة عدة روايات لهذا المثل فمنهم من روى : ” على نفسها تجني براقش ” وهذه الرواية الأكثر شهرة بين الناس ، وهناك رواية أخرى وهو قولهم : ” على أهلها جنت براقش ” وهي مشهورة أيضًا ولكن أقل شهرة من الرواية الأولى ، والثالثة هي : ” على أهلها دلت براقش ” وهي بمعنى الثانية ؛ ولكنها الأقرب للصحة وقد رواه الجاحظ وغيره .
الحكاية الأولى :
والقصة حسب الرواية الأولى تعود لكلبة كانت تسمى ” براقش ” ، وكانت تعيش في قرية صغيرة تحرسها وتحرس المساكن من اللصوص والأعداء ، فكانت الكلبة تقوم بالنباح كلما اقترب العدو لتحذير أهل القرية .. وفي إحدى المرات ، هاجم أعداء أشداء القرية ؛ فقامت براقش كعادتها بالنباح لتحذير أهل القرية للخروج من مساكنهم والاختباء .
وبالفعل هذا ما حدث ؛ فقد كان العدو أكثر قوةً من أهل القرية ؛ مما دفعهم للخروج من المنازل والاختباء في مغارة قريبة حتى يخرج العدو من قريتهم .
بحث الأعداء عن أهل القرية دون جدوى .. وعندما هموا بالخروج من القرية ، نبحت الكلبة براقش فرحًا بخروجهم من قريتهم وسلامة أهل القرية .. وعلى الرغم من محاولة صاحب الكلبة إسكاتها ، إلا أن العدو انتبه إلى نباح الكلبة وهاجم المغارة واستباح أهل القرية فقتل منهم الكثير ، كما قاموا بقتل الكلبة براقش .
قال حمزة بن بيض في هذا الصدد :
لم تكن عن جناية لحقتني … لا يساري ولا يميني رمتني
بل جناها أخ عليّ كريم … وعلى أهلها براقش تجني
الحكاية الثانية :
عن كتاب ” مجمع الأمثال ” لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني ، روى يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قال :
براقش هي امرأة كانت لبعض الملوك ( زوجة ملك ) ، فسافر الملك واستخلفها ، وكان لهم موضع إذا فزعوا دخلوا فيه ؛ فإذا أبصره الجند اجتمعوا ( أي إذا رأى الجنود الدخان أسرعوا لنجدة مَن بالحصن ) ، وإن جواريها عبثن ليلةً فدخن فجاء الجند ، فلما اجتمعوا قال لها نصحاؤها : ” إنك إن رددتهم ( الجند ) ولم تستعمليهم في شيء ( أي لم تطلبي منهم عمل شيء ) ودخنتهم مرةً أخرى لم يأتك منهم أحد ( لن يستجيبوا مرة أخرى ) ” ، فأمرتهم ( المرأة ) فبنوا بناءً دون دارها ، فلما جاء الملك سأل عن البناء فأخبروه بالقصة ، فقال : على أهلها تجني براقش ، ( أي أنها من تسببت بهذا البناء ) ، فصارت مثلًا .
وروي أيضًا ، أن ” براقش ” اسم امرأة وهي ابنة ملك قديم خرج إلى بعض حروبه واستخلفها على مملكته ، فأشار عليها بعض وزرائها أن تبني بناء تُذكر به ؛ فبنت موضعين يقال لهما ” براقش ومعين ” ، فلما قدم أبوها قال لها : أردت أن يكون الذِكر لك دوني ( أي أردت إنشاء مبنى يذكرك به الناس دون أن يذكروني ) ؛ فأمر الصناع الذين بنوْهما بأن يهدموها ( غيرة منه ) ، فقالت العرب : ” على أهلها تجني براقش “.
الحكاية الثالثة :
وروى غيره : أن ” براقش ” امرأة لقمان بن عاد ( وهو ليس لقمان الحكيم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم ) ، وكان بنو أبيه لا يأكلون لحوم الإبل ، فنزل لقمان على بني أبيها ( والد زوجته ) فأولموا ونحروا جزورًا إكرامًا له ، فراحت براقش بشيء من لحم الجزور فأكل لقمان منه ، فقال : ما هذا ؟ ما أكلت مثله قط ، فقالت : هذا من لحم جزور ، قال : أَوَلحوم الإبل كلها هكذا في الطيب ؟ قالت : نعم ، ثم قالت له : جملنا واجتمل ( أي أطعمنا وأطعم نفسك من لحوم الإبل ) ، وكانت براقش أكثر أهلها إبلًا فأقبل لقمان على ( نحر وتناول لحوم ) إبلها وإبل قومها ؛ فأشرع فيها وفعل ذلك بنو أبيه ، فقيل : ” على أهلها تجني براقش ” ، فصارت مثلًا .
معنى هذه المقولة :
في كتابه ” مجمع الأمثال للميداني – دراسة لغوية دلالية ” يقول الباحث أحمد جاسر عبد الله : إن معاني الروايات السابقة كلها تصب في معنى واحد ؛ ألا وهو مَن فَعَل صنيعًا ، وعاد صنيعه عليه بالضرر .
ويحمل المثل دلالتين ؛ الأولى هي أن الإنسان ربما صنع صنيعًا حسنًا وعاد عليه بالضرر والشر ، لأنه ربما صنع هذا المعروف في غير أهله ، والثانية هي أنه صنع صنيع سوء ، وعاد عليه صنيعه بما فعل من السوء .
وقد شاع لدى الناس أن مفهوم المثل هو من فعل السوء ، لقي جراء فعلته السوء .
4- أبلغ من قس
وهو قس بن ساعدة الإيادي ، وهو من حكماء العرب وخطبائهم ، وأول من أقر بالبعث من غير علم ، وأول من قال : أما بعد .
وهذا المثل يُضرب للتعبير عن فصاحة المتحدث وبلاغته .
5- أرخى عمامته
فقد كان الرجل من العرب يرخي عمامته عندما يستقر بعد طول عناء ويحس بالأمن .
وهو يُضرب للتعبير عن الإحساس بالأمن .
6- قاب قوسين أو أدنى
وهو مأخوذ من قوله تعالى : ” فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ” (النجم : 9) ، فالآية تشير إلى قرب جبريل عليه السلام من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما بين وتر القوس والقوس نفسها .
وهذا المثل يُضرب لشدة القرب من الأمر .
7- سبق السيف العذل
والعذل هو اللوم والعتاب ، وأصل المثل أن الحارث بن ظالم ضرب رجلًا فقتله ، فعندما أُخبر بعذره ، قال : سبق السيف العذل .
والمثل يُضرب لما قد فات من الأمر ، ولا سبيل إلى رده أو تداركه .
8- مثل شعري
قد يغدو البيت مثلًا لما فيه من الحكمة ، ومن ذلك قول أذينة اللخمي :
لا تقطعن ذنَب الأفعى وترسلها … إن كنت شهمًا فأتبع رأسها الذنبا
وهذا المثل يُضرب للتحريض على استئصال الشر من جذوره .