فروق لغوية في القرآن الكريم تعبر عن دقة بالغة في المعنى والمبنى :
1- فروق لغوية في القرآن : رحمت و رحمة :
– أولًا : رحمت :
قال الله الملك الحق :
” قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ “. (هود : 73)
وقال عز وجل : بسم الله الرحمن الرحيم
” كهيعص . ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا . قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا . وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا “. (مريم : 1-9)
وقال الرحمن الرحيم :
” فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “. (الروم : 50)
– ثانيًا : رحمة :
قال الله سبحانه :
” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ “. (الزمر : 9)
وقال عز وجل :
” فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا “. (النساء : 175)
سبحان من هذا كلامه ؛ دقة بالغة في المعنى والمبنى .
- فهيا إلى بعض التفاصيل في الفرق بين رحمت الله ، ورحمة الله :
– الرحمة التي تأتي فيها التاء مفتوحة أو مبسوطة ” رحمت ” هي رحمة بُسطت بعد قبضها ، وأتت بعد شدة ، ودائمًا ما تكون مضافة مباشرة للفظ الجلالة الله عز وجل ؛ فمثلًا ، بعد مرور السنين الطويلة ، وتعدي الزوجة للسن التي تستطيع أن تحمل بها وتلد ، تأتي البشرى لإبراهيمَ عليه الصلاة السلام وزوجِته سارة : ” قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ “.
فتحٌ بعد قبض .
وتأتي كذلك استجابة الله لدعاء زكريا عليه السلام بطلب الولد : ” ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ “.
ثم بشره ربه بغلام اسمه يحيى ، لم يجعل له من قبلُ سميًّا .
وهب الله يحيى لسيدنا زكريا عليهما السلام .
إنه : فتحٌ بعد قبض .
” فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “.
فتحٌ بعد قبض .
فالتاء المبسوطة إذًا تدل على الاتساع ، وأن رحمته جل شأنه وسعت كل شيء .
– أما الرحمة التي تأتي فيها التاء مربوطة ؛ فهي رحمة مرجوة لم تُفتَح للسائل بعد ؛ فالعابد القانت السائل يرجو رحمة ربه في الآخرة ؛ ألا وهي الجنة ، رحمة مستقبلية لم تتحقق بعد .. ” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ” ؛ هي رحمة مرجوة ..
أو هي رحمة موعودٌ بها ؛ كما في قوله تعالى : ” فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا “.
اللهم إنا نسألك أن نكون من أهل رحمتك بتاءيها المبسوطة والمقبوضة .
2- فروق لغوية في القرآن : جزى وجازى :
جاء في ( لسان العرب ) :
{ وسُئِلَ أبو العبَّاس عن جَزَيْته وجازَيْته ، فقالَ : قالَ الفرَّاءُ : لا يكون جَزَيْتُه إلاَّ في الخير ، وجازَيْته يكونُ في الخَيْرِ والشَّرِّ ، قالَ : وغيرُه يُجِيزُ جَزَيْتُه في الخير والشرِّ ، وجازَيْتُه في الشَّرِّ }. (انتهى)
وفيه عن الجوهريِّ قوله :
{ جَزَيْتُه بما صنَعَ جَزاءً ، وجازَيْتُه : بمعنًى }. (انتهى)
وقال أبو حيَّان الأندلسيُّ في ( البحر المحيط ) عند تفسيره قول الله : ” ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إلاَّ الكَفُورَ ” (سبـأ : 17) :
{ وأكثرُ ما يُستعملُ الجزاءُ في الخيرِ ، والمُجازاة في الشَّرِّ ، لكن في تقييدهما قد يقعُ كلُّ واحدٍ منهما موقعَ الآخَرِ }. (انتهى)
وفي ( زاد المسير ) لابن الجوزيِّ -عند تفسير الآيةِ الكريمةِ- :
{ فإن قيلَ : قد يُجازَى المؤمِن والكافرُ ، فما معنى هذا التَّخصيص ؟
فعنه جوابان :
أحدهما : أنَّ المؤمِن يُجزَى ولا يُجازَى ، فيُقال في أفصح اللُّغةِ : جَزَى اللهُ المؤمِنَ ، ولا يُقال : جازاه ؛ لأنَّ جازاه بمعنى : كافأه ، فالكافر يُجازى بسيِّئته مثلها ، مكافأةً له ، والمؤمِن يُزاد في الثَّواب ، ويُتفضَّل عليه ، هذا قول الفرَّاءِ .
والثَّاني : أنَّ الكافر ليستْ له حَسَنة تُكفِّر ذنوبه ، فهو يُجازَى بجميع الذُّنوب ، والمؤمِن قد أَحْبَطَتْ حسناتُه سيِّئاتِه ، هذا قول الزَّجَّاج }. (انتهى)
3- فروق لغوية في القرآن : ( يا ويلنا ) و ( يا ويلتنا ) :
– الويل معناه الهلاك والعذاب ، قال تعالى : ” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ “. (المطففين : 1)
وقال عز من قائل : ” قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ “. (الأنبياء : 14)
وقال الملك : ” قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا “. (يس : 52)
– أما الويلة ، فهي الفضيحة ، والخزي ، قال تعالى : ” قَالَتْ يَـٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا “. (هود : 72)
أي : يا للفضيحة .
قال تعالى : ” وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا “. (الكهف : 49)
وذلك أنهم لما رأوا فيه أعمالًا مخزية ، وفضائح لا يحبون أن يطلع عليها أحد ، وقد رأوها مدونة في الكتاب ؛ قالوا : يا ويلتنا ؛ أي : يا للفضيحة والخزي .
4- الحمد والشكر :
هناك فروق بين الحمد والشكر ..
اخترنا لكم أهمها وأشهرها :
– الحمد أعم من الشكر ..
فمن حمد الله تعالى فقد شكره وأثنى عليه ..
فالحمد يكون على النعم وعلى غيرها ..
كأن تثني على شخص لحسن أخلاقه .
– أما الشكر فلا يكون إلا عن يد ؛ أي نعمة وإحسان .
والله تعالى أعلى وأعلم .