من أجلّ العبادات القلبيَّة التي ندب إليها ديننا الإسلامي الحنيف : حسن الظن بالله تعالى .
ومعنى حسن الظن : توقُّع الجميل من الملك جل في علاه .
وحسن الظن من حسن العبادة .
– أحاديث صحيحة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي “. (متفق عليه)
وفي المسند عنه رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :
” إن الله عز وجل قال : أنا عند ظن عبدي بي ، إنْ ظن بي خيرًا فله ، وإن ظن شرًا فله “.
والمعنى : { أعاملُه على حسب ظنه بي ، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر }.
عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول :
” لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل “. (رواه مسلم)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ : ” كيف تجدُكَ ؟ “
قالَ : واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ :
” لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ “. (صححه الألباني في صحيح الترمذي)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ العُقُوبَةِ ، ما طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، ولو يَعْلَمُ الكَافِرُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، ما قَنَطَ مِن جَنَّتِهِ أَحَدٌ “. (رواه مسلم)
– حسن ظن الأعرابي :
قيل لأعرابي في البصرة : ﻫﻞ ﺗُﺤﺪّﺙ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨّﺔ !
ﻗﺎﻝ : ﻭﺍﻟﻠّﻪ ﻣﺎ ﺷﻜﻜﺖ في ذلك ﻗﻂّ ، وﺃﻧّﻲ ﺳﻮﻑ ﺃﺧﻄﻮ ﻓﻲ ﺭﻳﺎﺿﻬﺎ ، ﻭﺃﺷﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺿﻬﺎ ﻭﺃﺳﺘﻈﻞّ ﺑﺄﺷﺠﺎﺭﻫﺎ ، ﻭﺁﻛﻞ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ ، ﻭﺃﺗﻔﻴّﺄ ﺑﻈﻼﻟﻬﺎ ، ﻭﺃرتشف ﻣﻦ ﻗﻼﻟﻬﺎ ، ﻭﺃعيش ﻓﻲ ﻏﺮﻓﻬﺎ ﻭﻗﺼﻮﺭﻫﺎ .
ﻗﻴﻞ ﻟﻪ : ﺃﻓﺒﺤﺴﻨﺔٍ ﻗﺪّمتها ، ﺃﻡ ﺑﺼﺎﻟﺤﺔٍ ﺃﺳﻠﻔﺘﻬﺎ ؟
ﻗﺎﻝ : ﻭﺃﻱّ ﺣﺴﻨﺔٍ ﺃﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓًﺎ ﻭﺃﻋﻈﻢ أجرًا ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻠّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﺟﺤﻮﺩﻱ ﻟﻜﻞّ ﻣﻌﺒﻮﺩٍ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﻗﻴﻞ ﻟﻪ : ﺃﻓﻼ ﺗﺨﺸﻰ ﺍﻟﺬّﻧﻮﺏ ؟
ﻗﺎﻝ : ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠّﻪ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻟﻠﺬﻧﻮﺏ ، ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻠﺨﻄﺄ ، ﻭﺍﻟﻌﻔﻮ ﻟﻠﺠﺮﻡ ، ﻭﻫﻮ ﺃﻛﺮﻡ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﺬّﺏ ﻣﺤﺒّﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﺎﺭ ﺟﻬﻨّﻢ .
ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ : ﻟﻘﺪ ﺣﺴﻦ ﻇﻦّ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲّ ﺑﺮﺑّﻪ ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻻ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺇﻻ ﺍﻧﺠﻠﺖ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻋﻨﻬﻢ ، ﻭﻏﻠﺐ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ .
قال تعالى : ” فَمَا ظَنّكُم بِرَبّ العَالمِين “.
يقولُ ابن مَسعُود رضي الله عنه : ” قسمًا بالله ما ظنَّ أحدٌ باللهِ ظناً ؛ إلّا أعطَاه ما يظنُّ ؛ وذلكَ لأنَّ الفَضلَ كُلَّه بيدِ الله “.
– كن واثقًا بربك :
مــهــمـا كانت حاجة الناس إلى الشمس ، فهي تغيب كل يوم دون أن يبكي أحد لفراقها ؛ لأننا نعلم بأنها ستعود ؛ هذه هي الثقة .
أتثقون في عودة الشمس ولا تثقون في قول الله تعالى : ” إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا “. (الشرح : 6)
حتمًا سيفرجها الله ما دمنا واثقين بوعده .
– وفد الرحمن :
قال الله تعالى : ” يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا “. (مريم : 85)
لم يقل الملك سبحانه وتعالى : إلى الجنة ، بل قال إلى ” الرحمن ” ، صاحب الضيافة .
ما أعظمه من مضيف ، وما أروعه من وفد ، وما أعظمه من وعد ، وما أجمله من شعور .
جعلني الله وإياكم من أعضاء هذا الوفد .
– يارب .. عَلِّمْنِي :
يا رَب ..
عَلِّمنِي كيفَ أُحِبّكَ حُبًا خَالصًا لا شريكَ لكَ فيه ولا مَثيل ، حُبًّا أعيشُ بِهِ لِأجلك ، وأموتُ عليهِ لأجلِك ، وألقاكَ بِهِ وأنتَ راضٍ عَنّي .
يا ربّ ..
علّمنِي كيفَ أطرُقُ بابَكَ طرقَ السّائِلِ الذي يظنُّ بكَ خيرًا كثيرًا ؛ طرقَ الذي لا حاجةَ له إلَّا عَندك ، طرقَ المُستغنِي عن كُلِّ شيء إلَّا سِعةَ رحمتك .
سبحانك ، لا أحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك .
– حيرة و خيرة :
إن كنت في ” حيرة ” مما يحصل لك ، فلا تقلق ؛ فلعل فوق ” الحاء ” نقطة لم ترها !
أَحْسِنْ الظن بالملك .
– الله قريب :
اعلَم أن اللهَ قرِيب ، ولِلداعِي مُجِيب ، ولكلِّ دعوةٍ أجَل ، وحِين يشاء الله تتيسر مَسَرَّاتك ، وَتتمهَد الطٌرق وتُفتَح مغَاليقُهَا وتتهَيأ أسبَابُهَا ، وتتجمّل لتَأتيك كَاملةً تَامَّة ، مَصحُوبَةً بِجَمِيل عَطَاءِ رَبّك ، فَلا يَغرَنَّك تَشَتّتَهَا الآن ولا تَحزَنْ لاستِحَالتِهَا ، فَـ واللهِ لو كَانَ بينَكَ وبينَهَا أعمَاقُ البِحَار ، وشَواهِقُ الجِبَال يَأتي بهَا اللهْ إنّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير .
– مع العلامة ابن باز :
ونختم بكلام لابن باز عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى :
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ- قَالَا : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : يَقُولُ اللهُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي ، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً .
الشيخ : وهذا فيه الحث على حسن الظن بالله ، أنا عند ظن عبدي بي ، فينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه بالله ويجتهد في العمل الصالح ؛ لأن من ساء عمله ساء ظنه .. وطريق إحسان الظن أن يحسن العمل وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله حتى يكون حسن الظن بالله ، لأنه وعد المحسنين بالخير العظيم والعاقبة الحميدة ، ومن ساءت أفعاله ساءت ظنونه ، ولهذا في الصحيح من حديث جابر عند مسلم : ” لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن ظنه بالله “.
وفيه أيضًا أن الله مع الذاكرين ، ينبغي الإكثار من ذكر الله ، وهي معية خاصة التي تقتضي التسديد والتوفيق والكلاءة والحفظ .
– لا يُخَيِّبُ عبده :
لله در الشاعر القائل :
صباحٌ جميلٌ بعطر المودّهْ … أتانا شَذِّيًّا يُجدِّدُ عهْدَهْ
يقولُ لنا وثِّقوا حبْلَكم … بربٍّ كريمٍ سينصُرُ جُندَهْ
بِهِ حسِّنوا الظّنَّ فالله أعْلى … وأعْظمُ مِن أنْ يُخيِّبَ عبْدهْ