العفو والعافية

العفو والعافية ، من الأمور الشافية ، والأشياء الكافية ، للقلوب الصافية ، والله لا تخفى عليه خافية .

جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّه قال : لم يكن رسولُ الله ﷺ يدع هؤلاء الدَّعوات حين يُمسي وحين يُصبح :
” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللَّهُمَّ استُرْ عَوْرَاتي ، وآمِنْ رَوْعَاتي ، اللَّهمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَينِ يَدَيَّ ، ومِنْ خَلْفي ، وَعن يَميني ، وعن شِمالي ، ومِن فَوْقِي ، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحتي“.
( رواه أبو داود ، وصححه الألباني ).

ولله در القائل :

واذكر من الإحسانِ كلَّ صغيرةٍ … فالله لا تخفى عليه خافية

واكتب بخطك إن أردت عبارةً … لا شيء في الدنيا يساوي العافية

العافية : السَّلامة من الآفات الدِّينية والدُّنيوية ؛ أي : أن يسلم الإنسانُ في دينه ، وفي بدنه .

وقد ذكر بعضُ أهل العلم في الكلام على هذه الجملة : أن يُلهَم الصَّبر على ما ينزل به ، ويرضى بقضاء الله تبارك وتعالى ، فتكون هذه السَّلامة لما يحصل له من الصَّبر والرِّضا بالقضاء .

وكأن هؤلاء نظروا إلى كون البلاء مما لا بدَّ من وقوعه ، ولكن العبدَ يسلم إذا ألهمه الله تعالى الصَّبر ، فإذا ارتقى إلى مرتبة الرِّضا ؛ فذلك أكمل في عُبوديَّته ، فإن بلغ مرتبةَ الشُّكر على البلاء فهذا هو الغاية ، يعني : أن يعُدَّ البلاء نعمة ؛ ولهذا كان بعضُ السَّلف يفرح بالبلاء ، نعم ، البلاء لا يتمنَّاه المؤمنُ ، ولكن إذا وقع لا بدَّ من الصبر ، فإن استطاع أن يرتقي إلى ما فوقه فهذا هو الأكمل والأفضل ، إلا أنَّ الصبر واجبٌ ، وما فوقه فهو مُستحبٌّ على الأرجح من أقوال أهل العلم .

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنَّ هذا السؤال للعافية على ظاهره ، وليس ما ذُكِر من قيدٍ يُفضي بالمعنى إلى ما قد سمعتُم من أن يكون ذلك بالصَّبر والاحتساب والرِّضا ، بل هو سؤالٌ لله -تبارك وتعالى- العافية ؛ لأنَّ العافية لا يعدلها شيء .

– سميع الدعاء :

أسأل ربي سامع الدعاء ، ورافع السماء ، ودائم البقاء ، ومَن فى اسمه دواء ، وذكره شفاء :
أن يرفع عنكم كل بلاء ، ويحييكم حياة السعداء ، ويرزقكم عيش الكرماء .
وأن يعطيكم خيري الدنيا والآخرة .
إنه ربي سميع الدعاء .

ياله من معلم صلَّى الله عليه وسلَّم ، كان كثير الدّعاءِ لرَبِّه جلَّ في علاه ، كثيرَ التضرعِ إليه سُبحانه وتَعالى في كل أحيانه .

وفي الحديث الذي بين أيدينا يُخبر الصحابي الجَليل عبدالله بن عُمر رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ المعلم صلَّى الله عليه وسلَّم كان له دعواتٌ لا يَترُكُهنَّ أبَدًا ، فيقول : ” لم يَكن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يدَعُ ” ، أي : يترك ، ” حين يُمسِي ” ، أي : إذا دخَلَ وقْت المساء ، و ” حين يُصبح ” ، أي : إذا أقبلَ وقْتُ الصَّباحِ ، يعني : لا يترُكُ الدُّعاء بهذِه الدَّعواتِ ، وهي : ” اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك العافيةَ ” ، أي : السَّلامَة والنَّجاة ، ” اللَّهمَّ إنِّي أسألُك العفْوَ ” ، أي : المغفِرَةَ والمُسامحَةَ ، ” في دِيني ودُنيايَ ” ، أي : في الدُّنيا والآخِرةِ ، ” وأهْلي ” ، أي : زوْجاتي وأَوْلادي وقَرابَتي ، ” وَمالي ” ، أي : أمْوالي وعمَلي ، وما في معنى ذلك منَ التِّجارة والبيْع ، وغيرِ ذلك ، ” اللَّهم استُرْ ” ، أي : احفَظْ ، ” عوْرَتي ” ، أي : كل ما يَسوؤُني نشرُه ؛ من المَعايِبِ ، ” وآمِنْ رَوْعاتي ” ، أي : وطمئني وأَمِّنِّي مِن كلِّ ما يُخيفُني ويُسبِّب لي الفزع ، ” اللَّهمَّ احفَظْني من بينِ يدَيَّ ومِن خلفي ، وعن يَميني وعن شِمالي ، ومِن فَوْقي ” ، أي : احفَظْني من كل جِهة يُمكن أن يُصيبَني منها مكْروه ، ” وأَعوذُ بعَظَمتِك ” ، أي : ألْجَأُ وأحْتَمي بعَظَمتِك ، وقوَّتِك وقُدرَتِك ، ” أنْ أُغْتالَ ” ، أي : أن يُخسَفَ بي أو أهْلِكَ ، ” من تَحْتي ” ، وإنَّما بالَغَ في تَحديدِ الخسْفِ والهَلاكِ منَ الجِهةِ التَّحتيَّةِ ؛ لشِدَّةِ البلاءِ والشَّرِّ به .

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله ، يا معلم المتعلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وعلى آلك وصحبك أجمعين .

– دعاء ليلة القدر :

” اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ”.
( رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وأحمد ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ).

ليس هناك أدعية ثابتة في ليلة القدر ، حيث يُستحَب للمسلم أن يدعو بما يشاء فى هذه الليلة المباركة التى تنزل فيها الملائكة .

حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على استغلالها .

ورد عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها قالت : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، بِمَ أَدْعُو ؟
قَالَ المعلم صلى الله عليه وسلم :
” قُولِى : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى “.

العفوُّ : أصله المحو والطمس : مأخوذ من عفت الرياح الآثار إذا أخفتها ومسحتها .
( لسان العرب ).

وهو من صيغ المبالغة على وزن ( فعول ) ، وهو اسم من أسماء اللَّه الحسنى يدل على سعة صفحه عن ذنوب عباده مهما كان شأنها إذا تابوا وأنابوا .

في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء ، دون غيره في هذه الليلة المباركة ( ليلة القدر ، كما دلّ على ذلك حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) يدل دلالة واضحة على أهميته ، فالعفو هو سؤال اللَّه عز وجل التجاوز عن الذنب ، وترك العقاب عليه .

قال القرطبي رحمه اللَّه تعالى : { العفو ، عفو اللَّه عز وجل عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها ، بخلاف الغفران ، فإنه لا يكون معه عقوبة البتة }.

قوله : (( تحب العفو )) ؛ أي أن اللَّه تعالى يحب أسماءه وصفاته ، ويحب من عبيده أن يتعبَّدوه بها ، والعمل بمقتضاها وبمضامينها ، ويحب اللَّه تعالى العفوَ من عباده بعضهم عن بعض فيما يحب اللَّه العفو فيه .

وهذا المطلب في غاية الأهمية ، وذلك أن الذنوب إذا تُرِكَ العقاب عليها يأمن العبد من استنزال اللَّه تعالى عليه المكاره والشدائد ، حيث إن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب في إنزال المصائب ، وإزالة النعم في الدنيا ، أما الآخرة فإن العفو يترتب عليه حسن الجزاء في دخول النعيم المقيم .

ندعوكم لقراءة : العفو عند المقدرة

Exit mobile version