السهل من الله

السهل من الله :

يقول بعضهم : الله ، الطريق كان سهلًا ، والحمد لله .

ويقول بعض الطلبة : الله ، الامتحان كان سهلًا ، ولله الحمد .

ويقول الجراح والمريض معًا : الحمد لله ، العملية الجراحية كانت سهلة ، والحمد والشكر لله .

وهكذا ، وهكذا ؛ فالتيسير من الملك جل في علاه ؛ وفي هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلًا : ” اللَّهمَّ لا سهل إلَّا ما جَعَلتَه سَهلًا ، وأنتَ تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شِئتَ سَهلًا “.
( رواه ابن السني ، وصححه ابن حجر ، والألباني في الصحيحة : 2886 ).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : { ما ذُكر الله على صعبٍ إلا هان ، و لا على مشقةٍ إلا خَـفَّت ، و لا على شدةٍ إلا زالت ، و لا كربة إلا انفرجت }.
( الوابل الصيب لابن القيم ).

في هذا الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه المعلم صلَّى الله عليه وسلَّم :
” اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إلَّا ما جَعَلْتَهُ سهْلًا ” ؛ أي : لا شيْءَ لَيِّنٌ ولا هَيِّنٌ إلَّا ما جَعَلْتَهُ ليِّنًا وهَيِّنًا يارب العالمين ، ” وأنْتَ تَجْعلُ الحَزْنَ إذا شِئْتَ سَهلًا ” ؛ والْحَزْنُ مَا غَلُظَ من الْأَرض ، وَالسَّهل مِنَ الأَرض ضد الْحَزْن ، والمراد به الأمر الصَّعب العسير ؛ أي : كُلُّ شيءٍ تحت مَشيئتك وقدرتِك ؛ فأنت القادر على الصِّعابِ بتَذليلها وتسْهيلها .
وهذا من التوَدُّد إلى الله والتَّسليم الكامِل له .

سهل السهل : ضد الحزن ، وجمعه سهول ، قال تعالى : ” تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا “. (الأعراف : 74)
وأسهل : حصل في السهل ، ورجل سهلي منسوب إلى السهل ، ونهر سهل ، ورجل سهل الخلق ، وحزن الخلق ، وسهيل نجم .

كل ما هو سهل وميسر ، إنما يأتي من الله العزيز الحكيم ، كما جاء في الآية 74 من سورة الأعراف ، وتفسيرها ، ففي تفسير الجلالين :

﴿ واذكروا إذ جعلكم خلفاء ﴾ في الأرض ﴿ من بعد عاد وبوَّأكم ﴾ أسكنكم ﴿ في الأرض تتَّخذون من سهولها قصورا ﴾ تسكنونها في الصيف ﴿ وتنحتون الجبال بيوتا ﴾ تسكنونها في الشتاء ونصبه على الحال المقدرة ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ).

وفي التفسير الميسر :

واذكروا نعمة الله عليكم ، إذ جعلكم تَخْلُفون في الأرض مَن قبلكم ، من بعد قبيلة عاد ، ومكَّن لكم في الأرض الطيبة تنزلونها ، فتبنون في سهولها البيوت العظيمة ، وتنحتون من جبالها بيوتًا أخرى ، فاذكروا نِعَمَ الله عليكم ، ولا تَسْعَوا في الأرض بالإفساد .

ندعوكم لقراءة : مهارات إيجابية

هذه الصفات في المسلم تجعله محرمًا على النار ، كما ورد عن المعلم صلى الله عليه وسلم ؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
” ألا أخبركم بمن يحرم على النار ، أو بمن تحرم عليه النار ؟
تحرم على كل قريب هيِّن ليِّن سهل “.
( رواه الترمذي ).

يقول الدكتور خالد السبت تعليقًا على هذا الحديث النبوي : المؤمن يتنازل عن بعض حقه ، يتحمل ، يصبر ، يعفو ، يصفح ، لا يؤذي إخوانه المسلمين بفعل ، يظلمهم بيده ، أو يأخذ أموالهم ونحو ذلك ، ولا يؤذيهم بالقول ، يتكلم فيهم ، يجرح مشاعرهم بكلام لا حاجة إليه ، ولو رأى منهم ما يكره من الأقوال والفعال يكظم ذلك في نفسه ، ويصبر ، ويحتسب عند الله عز وجل ، ويعفو ويصفح .

هذه أخلاق يحتاج الإنسان أن يروض نفسه عليها ، وأن يربي من تحت يديه من الأولاد والتلاميذ على هذا اللون من الأخلاق ؛ لأن هؤلاء الصغار حينما يرون والدهم ، أو من يقوم على تربيتهم مشاكسًا ، ويرى أن هذا هو الكمال ، وأن هذا هو القوة ، وأن هذا هو الوصف الذي يمدح عليه الإنسان ، فإنهم سيكونون مثله ؛ لأن البيئات المريضة المحمومة بهذه الأخلاق المرذولة ، ما الذي يحصل للناشئة فيها ؟
يحصل لهم تقمص هذه الأخلاق ؛ لأنهم يسمعون صباح مساء أن الإغضاء والترك والإعراض والتنازل والعفو أنه من التضييع ، والضعف ، والخنوع ، وأن هذا من النقص ، وإذا رأوا واحدًا منهم يبدو من حماليق عينيه منذ نعومة أظفاره أنه لا يدع شاردة ولا واردة من حق إلا استقصاه ، فهذا هو الممدوح عندهم ، فيثنى عليه .

يقول : في طالب في المدرسة ولد في المدرسة ضربني كذا فضربته ضربة كذا ، وكسرت أنفه ، نعم ، بطل ، رجل ، كذا ، يربَّى على هذا ، فيفرح وينتشي ، ثم تكبر معه هذه الصفات ، ولا يمكن بعد ذلك تلافيها واستبدالها بغيرها ، والله المستعان .

Exit mobile version