السجود للملك

السجود للملك :

قال ابن الأبار البلنسي :

قَابلْتُ نُعْماكَ بالسجودِ … للّهِ مِنْ عَطْفَةٍ وجُودِ

ولم أجِدْ لِلْحَياةِ عُدْمًا … وفي وجودِ الرّضى وجودِي

قَد وَصّل الأمْن والأمانيَّ … بعد المُجَافَاة والصُّدودِ

فإِن أكُنْ قَبلُ في ضُبوبٍ … فَها أنا اليومَ في صُعودِ

نَبهْتُ بِالعَفْو من خُمولي … وكنتُ لِلْهَفْو في خُمودِ

هَذا ظُهوري من التّواري … وذا نُشوري مِن الهُمودِ

لا وَحْشَةٌ للوعِيدِ عِنْدي … أزاحَها الأنْسُ بالوُعودِ

يا مُبْدِئًا في العُلَى مُعِيدًا … أيِّدْتَ بالمُبْدِئ المُعيدِ

بِأيِّ حَمْدٍ وإنْ تَناهى … أُثْنِي على صُنْعِكَ الحَميدِ

صَفَحْتَ عَمْدًا عَن الخَطايا … وتِلكَ من عادَةِ العَميدِ

وغيرُ بِدْع ولا بَعيدِ … صَفْحُ المَوالِي عن العَبيدِ

أيَنْقُصُ اليَأسُ مِنْ رَجائِي … وذلكَ الفَضْلُ في مَزيدِ

أيُّ امْرئٍ في الوَرى شَقِيٍّ … أَوَى إلى أمْرِكَ السّعيدِ

ما غُرّةُ العِيد أَجْتَلِيها … يَوْمُ رضاك الأغَرُّ عِيدِي

اسجد ، يا كل مسلم يتبع الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم ؛ اسجد ؛ أي صلِّ لله ، واقترب ؛ أي تقرب إلى الله -جل ثناؤه- بالطاعة والعبادة والدعاء .

روى عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” أقرب ما يكون العبد من ربه ، وأحبه إليه ، جبهته في الأرض ساجدًا لله “.

قال علماؤنا : وإنما [ كان ] ذلك ؛ لأنها نهاية العبودية والذلة ؛ ولله غاية العزة ، وله العزة التي لا مقدار لها ؛ فكلما بعدت من صفته ، قربت من جنته ، ودنوت من جواره في داره .

السجود في اللغة : التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وما يشبهه .

وخُصَّ في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة .

والمراد به هنا : دخول الأشياء جميعها تحت قبضة الله -تبارك وتعالى- وتسخيره وانقيادها لكل ما يريده منا انقيادًا تامًا ، وخضوعها له -عز وجل- بكيفية هو الذي يعلمها .

يسجد لله جلَّ في علاه ، مَنْ في السموات من الملائكة ، ومَنْ في الأرض من المخلوقات ، والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب .

وله سبحانه يسجد طاعة واختيارًا كثيرٌ من الناس ، وهم المؤمنون بالله حقًّا ، وكثيرٌ من الناس حق عليه العذاب فهو مهين ، وأيُّ إنسان يهنه الله فليس له أحدٌ يكرمه .

ندعوكم لقراءة : أرحنا بها يا بلال

قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ “. (الحج : 18)

قال الإمام البغوي رحمه الله :
( ألم تر ) ألم تعلم وقيل : ( ألم تر ) تقرأ بقلبك ( أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ) قال مجاهد : سجودها تحول ظلالها ، وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدًا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه .
وقيل سجودها بمعنى الطاعة فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله خاشع له مسبح له كما أخبر الله تعالى عن السموات والأرض ” قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ “. (فصلت : 11)
وقال في وصف الحجارة ” وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ “. (البقرة : 74)
وقال تعالى ” وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ” (الإسراء : 44) .. وهذا مذهب حسن موافق لقول أهل السنة .
قوله : ( وكثير من الناس ) أي من هذه الأشياء كلها تسبح الله عز وجل ، ( وكثير من الناس ) يعني المسلمين .. ( وكثير حق عليه العذاب ) وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله عز وجل ، والواو في قوله : ( وكثير حق عليه العذاب ) واو الاستئناف .
( ومن يهن الله ) أي يهنه الله ( فما له من مكرم ) أي من يذله الله فلا يكرمه أحد ( إن الله يفعل ما يشاء ) أي يكرم ويهين فالسعادة والشقاوة بإرادته ومشيئته . انتهى .

السجود : جبهةٌ على الأرض ، وقلبٌ في السماء .

لو عرفتَ من تعبُد ، لاشتقت أن تسجد .

أنت في نظر الناس تهبط ، ولكنـك في الحقيقة تصعد .

أكثر الناس سجودًا لله ، أكثرهم قربًا منه ، قال تعالى ” وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب ” .. وقال ﷺ : ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد “. (رواه مسلم)

Exit mobile version