الخذلان

الخذلان :

قالوا قديمًا : لا تركن إلى صديق ، خذلك في ساعة ضيق .

والخذلان هو عدم النصرة .

واعلم أن الناصر لدينه ولقضايا أمته العربية والإسلامية هو الموفق من الله عز وجل ، ولله در أمير الشعراء أحمد شوقي القائل عن هذا الموفق :

وجدانك الحي المقيم على المدى … ولرُبَّ حيٍّ ميت الوجدانِ

الناس جارٍ في الحياة لغايةٍ … ومُضلَّلٌ يجري بغير عنانِ

والخلد في الدنيا -وليس بهيِّنٍ- … عليا المراتب لم تُتَح لجبانِ

فلو أن رسل الله قد جَبَنُوا لما … ماتوا على دينٍ من الأديانِ

المجد والشرف الرفيع صحيفةٌ … جُعِلت لها الأخلاقُ كالعنوانِ

وَأَحَبُّ من طول الحياة بِذِلَّةٍ … قِصَرٌ يُريك تقاصرَ الأقرانِ

يقول الدكتور عبد المحسن المطيري أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية الشريعة جامعة الكويت :
{ من يترك نصرة الدين ، فإنما يخذل نفسه ، ودين الله ، وحراسه يتناسلون ، ثم لا يكونوا أمثالكم }.

يقول رب العزة جل في عليائه :
« هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ». (محمد : 38)

إنكم { تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } على هذا الوجه ، الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية .
{ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ } أي : فكيف لو سألكم ، وطلب منكم أموالكم في غير أمر ترونه مصلحة عاجلة ؟
أليس من باب أولى وأحرى امتناعكم من ذلك .
ثم قال : { وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ } لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى ، وفاته خير كثير ، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئًا .
فإن الله هو { الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ } تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم ، لجميع أموركم .
{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا } عن الإيمان بالله ، وامتثال ما يأمركم به { يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } في التولي ، بل يطيعون الله ورسوله ، ويحبون الله ورسوله ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }.

كما جاء في [ الصحاح ] للجوهري ، و [ تهذيب اللغة ] للأزهري ، و [ لسان العرب ] لابن منظور ، وغيرها من معاجم اللغة العربية :

الخِذْلانُ : مَصدَرُ خَذَل يَخذُلُ خَذلًا وخِذْلانًا ، وهو تَركُك نُصرةَ أخيك وعونَه ، وأصلُ الخِذْلانِ التَّركُ والتَّخليةُ ، ويقالُ للبقَرةِ والشَّاةِ إذا تخلَّفَت مع ولَدِها في المرعى وتركَت صواحباتِها : خَذولٌ .

والخاذِلُ : ضِدُّ النَّاصِرِ ، والتَّخذيلُ : حَملُ الرَّجُلِ على خِذْلانِ صاحِبِه ، وتثبيطُه عن نُصرتِه ، وأصلُ هذه يدُلُّ على تركِ الشَّيءِ والقعودِ عنه .

قال الرَّاغِبُ في [ المفردات ] : ( الخِذْلانُ : تَركُ مَن يُظَنُّ به أن يَنصُرَ نُصرَتَه ).

وفي شرح النَّووي على مسلم : ( قال العُلَماءُ : الخَذلُ : تَركُ الإعانةِ والنَّصرِ ).

وقال السَّمينُ الحَلَبيُّ في [ عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ ] : ( الخِذْلانُ : تَركُ النَّصرِ ممَّن يتوقَّعُ منه ذلك ).

وقال الشَّوكانيُّ في [ فتح القدير ] : ( الخِذْلانُ : تَركُ العَونِ ) ، وقال أيضًا : ( الخَذلُ : تَركُ الإغاثةِ ).

وقال ابنُ عاشور في [ التحرير والتنوير ] : ( الخَذلُ : تَركُ نَصرِ المُستنجِدِ مع القُدرةِ على نَصرِه ).

ندعوكم لقراءة : لا للخصام

كما تعودنا نرد أمورنا جميعًا إلى الله عز وجل ، وإلى رسوله ﷺ ، هيا لنتعلم من معلمنا الأول ، كيف ننصر إخواننا في الله ؛ مظلومين أو ظالمين .

ففي حديث أنس رضي الله عنه :
قال : قال رسول الله ﷺ :
” انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا “ ، فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلومًا ، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره ؟
قال : ” تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره “.
( رواه البخاري ).

حديث صحيح ، وهو حديث متواتر ، في أعلى درجات الصحة ، وقد رواه البخاري ( 7311 ) ، ومسلم ( 156 ).
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
” لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ “.

وفي رواية لمسلم ( 1037 ) :
” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ “.

قال شيخ الإسلام رحمه الله : هذا الحديث حديث ثابت متواتر من جهة استفاضة ثبوته عند الأئمة ، ومخرج في الصحيحين من غير وجه وفي غيرهما .

وهذا الحديث فيه تقرير لكون الأمة سيدخلها افتراق واختلاف في مسائل أصول الدين ، ولهذا وصف عليه الصلاة والسلام هذه الطائفة بأنها الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة ، وأنهم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

قال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمها الله : وجدت بخط أبي ، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال : قال صلى الله عليه وسلم :
” لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء ، حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك ” ، قالوا : يا رسول الله وأين هم ؟
قال : ” ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس “.
وأخرجه أيضًا الطبراني .
قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات .

Exit mobile version