أنت الرجاء :
التعريف الشرعي للرجاء :
لقد عُرِّفَ الرجاء بتعاريف كثيرة ، مضمونها توقع الخير والطمع في رحمة الله ومغفرته مع فعل الأسباب المشروعة ، ومن هذه التعريفات :
قال الراغب : { الرجاءُ ظنٌّ يقتضي حصوله ما فيه مسرَّة }.
وقال الجرجاني : { الرجاء في اللغة : الأمل ، واصطلاحًا : تعلق القلب بحصولِ محبوبٍ في المستقبل }.
وعرَّفه الغزالي بقوله : { حالةٌ إيمانية ، يرتاح القلب فيها لانتظار ما هو محبوبٌ عنده }.
ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مفهوم الرجاء ، فيقول رحمه الله : { فالرجاءُ لا يكون إلا بما يلقي في نفسه من الإيعادِ بالخيرِ ، الذي هو طلبُ المحبوب أو فواتُ المكروه }.
ويقول في كلامه عن الآية : ” وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ” (المؤمنون : 60) : ( وجاء تفسيرُها في الحديث أنهم الذين يصومون ، ويصلُّون ، ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا تُقبل منهم ).
فقال شيخ الإسلام : { فهو يرجو أن يكونَ الله تقبلَ عملَه ، فيثيبه عليه ، ويرحمه في المستقبلِ ، ويخافُ ألا يكون تقبله فيُحرم ثوابه }.
وقال ابن حجر رحمه الله : { والمقصودُ من الرجاءِ أن من وقعَ منه تقصيرٌ فليُحْسِن ظنَّه باللهِ ويرجو أن يمحو عنه ذنبه ، وكذا من وقعَ منه طاعةٌ يرجو قبولها }.
وقال ابن القيم رحمه الله : { الرجاءُ هو النظرُ إلى سعةِ رحمةِ الله }.
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : ” أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا “. (الإسراء : 57)
كما ورد الرجاء أيضًا في السنة النبوية المطهرة ، حيث ذُكر أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في سياق الموت ، فقال : ” كيف تجدك ؟ ” ، فقال : أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يجتمعان في قلب عبد ، في مثل هذا الموطن ، إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف “.
( رواه ابن ماجه ).
- يقول الدكتور طه حسين :
{ وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطته عناية الأطباء ، وسهر الأوفياء ، ونام بين آمال المخلصين ودعوات المحبين ، ثمَّ ضعفت حيلة الطبيب ، ولم ينفع وفاء الحبيب ، واستحال الرجاء إلى بلاء ، إذ ذاك تظهر جالسًا على عرش عظمتك ، والنواصي خاشعة ، والنفوس جازعة ، والأيدي راجفة ، والقلوب واجفة لتقول : أنا قضيت ، ويقول الطبيب والقريب والحبيب : لك الأمر أنت أنت الله .
وإذا ما باين الدنيا إنسان وباينته ، إذ ينظر إلى المال فيلقاه فانيًا ، وإلى الجاه فيلقاه فانيًا ، وإلى الأماني فيلقاها زائلة ، وإلى الآمال فيجدها باطلة ، وإلى الشهوات فيلقاها خادعة كاذبة ، وإلى المسرات فيجدها آفلة غاربة ، إذ ذاك يستغنى عن الجاه والمال ، ويشل في نفسه حركة الآمال .. وبين جاه يدول وأمل يزول ، لا يملأ فراغ النفس إلا ذكرك أنت أنت الله .
وإذا ما وقعت العين على زهرة تتفتق في الأكمام ، أو تلاقت العين بعين يملأها الحسن والابتسام ، وإذا ما أعجب المعجبون بجمال الفجر المتنفس ، وتغريد الطير المتربص ، وعاود الصدر انشراحه ، وملأ القلب ارتياحه .. إذ ذاك يشرق جبينك النوراني الجميل ، فنراك أنت أنت الله .
فبينما يمس النفس من مظاهر العظمة ومظاهر الوسعة ومظاهر الرحمة ومظاهر القدرة والقضاء ، ومظاهر الدوام والبقاء ومظاهر الجمال ، والجلال ، اعتاد الناس أن يصفوك بالعظيم ، والواسع ، والرحيم ، والقادر ، والدايم ، والجميل ، والجليل ، وأوتار القلوب تردد أنت أنت الله .. أنت أنت الله }.
- الرجاء بالشعر :
لله در الشاعر القائل :
بني آدم إن طرقتَ بابه تغير وجهُهُ … وأنا وجَّهتُ وجهيَ لوجهه فما خابا
ناداني ( إني قريب ) فبسطتُ يديّ … ناجيته لحاجتي و الدمعُ عنيَ نابا
ناجيته يامن يجيب دعوة من دعا … أنا الفقير لجودك ففضلك ما غابا
أطمع أن تدخلني مولاي برحمتك … في الصالحين وأن تهوّنَ الحسابا
من يعفو عمن أضنته الذنوبُ مثلي … فذنوبي تكاثرت ولا مستِ السحابا
أروم عفوك يامولاي نادمًا ومتذللا … لا أبالي وإن كان القوم عليَّ غضابا
هجرت دنيايَ قد سئمتُ بي غدرها … تركتُ مالي و عشيرتي و الصحابا
وأتيتكَ أسعى بين الخوف والرجا … فالسعي في رحابك مولاي قد طابا
رضاك غايتي وأنت عوني وراحمي … ومن يلذ بباب مولاه الرحيم أصابا