أنت أنت الله :
آيات ربنا ثاقبات ، ما يماري فيهن إلا الكفور .
صدق الشاعر القائل :
ولله في كل تحريكةٍ … وتسكينةٍ أبدًا شاهدُ
وفي كل شيء له آيةٌ … تدل على أنه واحدُ
سبحانك ! ما أعظمك .
بهرتنا آلاؤك ، وغاب عنا لألاؤك .
في كتاب للدكتور طه حسين [ خطرات نفس ] :
الإسكندرية في 18 من سبتمبر سنة 1927 ، وتحت عنوان ” أنت أنت الله “ ، كتب يقول :
إذا ما اتجه الفكر في السموات حيث انتشرت النجوم في الليل ، وإذا ما كلَّ البصر فيما لا نهاية له من الآفاق المظلمة ، وإذا ما خشعت النفس خشعتها من رهبة السكون الشامل ، فإنك تشرف بوجهك الكريم من خلال هذه الآفاق ، وتسمع صوتك في ذلك السكون ، وتمس بعظمتك النفس الخاشعة المطمئنة .. حينئذ تبدو الآفاق المظلمة كأنها باسمة مشرقة ، ويتحول السكون إلى نبرات مطربة ، تنبعث من كل صوت ، وحينئذ تتغنى النفس الخاشعة لتقول أنت أنت الله .
•••
وإذا ما كان المتأمل على شاطئ البحر الخضم ، وأرسل الطرف بعيدًا بعيدًا حيث تختلط زرقة السماء بزرقة الماء ، وحيث تنحدر شمس الأصيل رويدًا رويدًا كأنها الإبريز المسحور ؛ لتغيب في هذا المتسع الملح الأجاج ، وحيث تتهادى الفلك ذات الشراع الأبيض في حدود الأفق الملون بألوان الشفق ، كأنها طائر يسبح في النعيم .
إذ ذاك يشعر المتأمل بعظمة واسعة دونها عظمة البحر الواسع ، وإذ ذاك تقر العين باطمئنان الفلك الجاري على أديم الماء الممهد ، وفى رعاية الله الصمد حيث تكون مظهر العظمة ، وحيث تطمئن النفس لرؤية ما تطمئن إليه في منظر جميل ، إذ ذاك يدق الفؤاد بدقات صداها في النفس : أنت أنت الله .
•••
وإذا ما انطلقت السفينة بعيدًا بعيدًا في البحر اللجي وهبت الزوابع ، وتسابقت الرياح ، وتلبَّد بالسحب الفضاء ، واكفهر وجه السماء ، وأبرق البرق ، وأرعد الرعد ، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض ، ولعبت بالسفينة الأمواج ، وأجهد البحار جهده ، وأفرغ الربان حيلته ، وأشرقت السفينة على الغرق ، وتربص الموت من كل صوب وحدب ، إذ ذاك يشق ضياؤك هذه الظلمات والمسالك ، وتحوط رأفتك حول هذه الأخطار والمهالك ، وتصل بحبال نجدتك المكروبين البائسين ، وإذ ذاك يردد القلب واللسان : أنت أنت الله .
ندعوكم لقراءة : عظمة الملك وقدرته
– شهادة الدكتور عمارة :
كتب الدكتور محمد عمارة عن انتصار الدكتور طه حسين للإسلام ، وعودته القوية إلى رحابه ، فقال :
الانتصار للإسلام ( 1952 – 1960م ) وفيها ظهرت تحولات فكر الدكتور طه حسين نحو الإسلام والعروبة بشكل كبير ؛ إذ أكد على حاكمية القرآن الكريم ، وامتثاله لما نزل به القرآن ، وورد عن الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى أنه زار أرض الحجاز وكان للزيارة أثرٌ بالغٌ عليه ؛ رجع منها وقد ثبت قلبه وعقله على الإسلام ، وليس ذلك فحسب ، إنما كتب كِتابه [ مرآة الإسلام ] 1959م ، الذي يكشف فيه عن ألوانٍ من إعجاز النظم القرآني ، ثم ختَم بكتابه [ الشيخان ] 1960م ، عن سيدنا أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فكانت خاتمته نعم النهاية ؛ إذ أكرمه الله ونصره في الدنيا حق النصر على كل الذين ظنوا به غير الخير ، وعلى المغريات الكثيرة التي وضعت أمامه ، وجعل نهاية تجربته العسيرة فوز لطه حسين ونصر للإسلام ؛ إذ توفاه الله يوم عيد الفطر المبارك .
ومن المؤسف أن يتشدق أنصاف المثقفين ، وأنصاف المتدينين على حد سواء بأقوال الدكتور طه وأحدٌ منهم لا يعرف شيئًا عن نهاية رحلته .
رحم الله الشيخ الدكتور طه حسين ، الذي هو مثالٌ حق للمتدين الحقيقي والمثقف الحقيقي ، صاحب العقل الناضج ، مَن عاد إلى الحق ولم يستكبر ، فكانت عودته نعم النصر .
- قال الدكتور محمد عمارة في كتابه [ طه حسين .. من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام ] :
وزيارته لأرض الحجاز 1955م ، وما حصَل فيها من أجواء إيمانية ، وقد سُئل فيها عن إحساسه في هذه اللحظات ، وعن الدعاء الذي دعا به ربَّه ؟ فردَّ قائلًا : { أُوثر أن يُترك الجواب على هذين السؤالين لِمَا بين الله وبيني من حِساب ، وإنَّه لعسير .. أرجو أن يجعلَ اللهُ من عسره يُسرًا }.
وعندما طلَب زيارة المسجد النبوي ، وكان الطريق البري مُغلَّقًا لأجل السيول ، صمَّم على الذهاب ولو بالطائرة -وهو لا يركب الطائرة أبدًا- ، وعندما طلب منه رفيقُه أمين الخولي أن يؤجِّل الزيارة قال له : { لن أغفرَ ذلك لنفسي أبدًا }.
وقال عند الزيارة للمسجد النبوي : { صليت في المسجد النبوي ، وشعرتُ بسمو رُوحي ، ووددتُ أنْ لا أبرحَ المسجد ، أتابع صلاة الظهر بصلاة العَصر ، فلا أُريد غِذاءً ولا طعامًا ولا شرابًا }.