أمره كلمحٍ بالبصر :
قال الله تعالى :
” وما أَمرُنا إلا واحِدَةٌ كَلَمحٍ بِالبَصَر “. (القمر : 50)
كل أمر الله في كونه كلمح البصر ، فلا تستبعد فرجًا ، ولا تستبطئ خيرًا ، فما يأذن الله به لا يمنعه مانع ولا يرده راد .
اللهم نسألك تياسير تعقبها تباشير .
وهو إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه كما أخبر بنفوذ قدره فيهم ، فقال : وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ ؛ أي : إنما نأمر بالشيء مرة واحدة ، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية ، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلًا موجودًا كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين .
لله در الشاعر القائل :
هوِّن عليك فإن اللهَ فارجها … فوحده ربي يدري مخارجها
وافرح لها إن اشتدّت فشدتها … علامة من الله إيذانًا بفُرجتها
ما دام ما يجري بعلم الله فارضَ به … ولا تَمُت حُزنًا على الدنيا وبهجتها
كم أزعجتك أمورٌ كنت تحسبها شرًّا … حتى رأيتَ من الرحمن حكمتها
فوّض له الأمرَ في كل الشؤون تجد … للصدر شرحًا وللنفس سكينتها
- حوقلوا :
يقول الأستاذ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي :
{ إن كانت لك حاجة وليس لك قدرة ، فإن لك ربًّا له قدرة وليس له حاجة }.
فأمره جل في علاه واحدة كلمحٍ بالبصر .
ولله در الشاعر القائل :
ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها … يغير اللهُ من حالٍ إلى حالِ
قال الإمام ابن تيمية رحمه اللّٰه :
{ إنّ الخير كُلّهُ من الله ، وليس للمخلوق من نفسه شيء ، بل هو فقيرٌ من كل وجه ، والله غني عنه من كل وجه ، مُحسن إليه من كل وجه ، فكلما ازداد العبد تواضعًا وعبوديةً ازداد إلى الله قُرْبًا ورفعة ، ومن ذلك تَوْبته واستغفاره }.
- كن فيكون :
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله :
{ إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى تأكيد بثانية } ، يعني : ” إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ “. (النحل : 40)
وهذا يدل على كمال قدرته -تبارك وتعالى- .
- الساعة :
ويحتمل أن يكون المراد بذلك معنى أخص من هذا ، وهو الساعة ، فإن الساعة تأتي بغتة ، ” لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً “. (الأعراف : 187)
وقد ذكر النبي ﷺ ذلك بقوله : ” تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم ، والرجلان يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم ، والرجل يَلِطُ في حوضه فما يصدر حتى تقوم “. (رواه مسلم)
وهكذا في أشياء ذكرها النبي ﷺ ، فأمر الساعة ووقوعها شيء مباغت سريع في غاية السرعة .
وهذا القول داخل ضمن القول الأول ، والقول الأول أشمل ، وقد دل على كل واحد منهما القرآن ، فدل على الأول قوله تعالى : ” إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ “ ، في غاية السرعة ، وكذلك أمر الساعة فإنه يقع سريعًا وهو من جمله أمره -تبارك وتعالى- : كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ؛ والمقصود باللمح بالبصر هو النظرة الخاطفة التي لا يسترسل صاحبها في النظر فيها ، تقول لمحة ، حصلت لمحة : نظرة سريعة .
التفسير الميسر :
” وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر “ ، وما أمرنا للشيء إذا أردناه إلا أن نقول قولة واحدة وهي ” كن ” ، فيكون كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين .
مع ابن عباس :
قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر .
وقال الكلبي عنه : وما أمرنا لمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر .
وما أحسن ما قال بعض الشعراء :
إذا ما أراد الله أمرًا فإنما … يقول له : كُنْ ، قولة فيكون
وفي الصحاح :
لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف ، والاسم اللمحة ، ولمح البرق والنجم لمحا أي لمع .
يقول الإمام الطبري :
يقول -تعالى ذكره- : وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكونه إلا قولة واحدة : كن فيكون ، لا مراجعة فيها ولا مرادة ( كلمح بالبصر ) ، يقول -جل ثناؤه- : فيوجد ما أمرناه ، وقلنا له : كن كسرعة اللمح بالبصر لا يبطئ ولا يتأخر .
- الزلازل :
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
(وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) إن شئت أن ترى عجائب ذلك فانظر إلى الزلازل التي تصيب مئات القرى ، بل آلاف القرى ، وبلحظة واحدة تعدمها !
لو جاءت المعاول والآلات والقنابل ، لم تفعل مثل فعل لحظة واحدة من أمر الله !