من نوادر العرب :
1- الشِّعْبِي والخليفة :
جاء في كتاب ” الأذكياء ” لابن الجوزي :
قال الإمام الشِّعبي : دخلت على الخليفة عبد الملك بن مروان ، فقال لي : كم عطاءك ؟ فقلت : ألفي درهم ! فجعل يُسارُّ أهل الشام ، ويقول : لَحَنَ العراقي !
ثم قال : كم عطاؤك ؟ لأردَّ قولي فَيُغَلِّطني ، فقلت : ألفا درهم ! فقال : ألم تقل ألفي درهم ؟!
فقلت : لحنتَ يا أمير المؤمنين فلحنتُ ؛ لأني كرهت أن تكون راجلًا وأكون فارسًا !
فقال الخليفة : صدقت ، واستحيا .
وهذا شرحٌ وبيان :
قوله : ( ألفي درهم ) خطأ ؛ لأنها بالياء ، وحقها أن تُرفَع بالألف ؛ لأنها مثنى ، على أنها خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : عطائي ألفا درهم ، وقد تَعَمَّد الشعبي الخطأ ؛ حتى يكون هو وأمير المؤمنين متساويين في الخطأ ، حتى لا يظهر أنه أفصح منه ، فيكون بمثابة من يركب الفرس ، وأمير المؤمنين بمثابة من يمشي على رجليه ، وهذا من أدب الشعبي -رحمه الله- .
2- أبو الأسود الدؤلي وطليقته :
وقفت طليقة أبي الأسود الدؤلي الفقيه والمحدث عالم النحو المشهور ، صاحب الحجة القوية .
خاصمته في ابن لهما أراد أخذه منها ، فتحاكما إلى زياد وهو بالبصرة ، فقالت المرأة : أصلح الله الأمير ، هذا ابني كان بطني وعاءه ، وحجري فناءه ، وثديي سقاءه ، أكلؤه إذا نام ، وأحفظه إذا قام ، فلم أزل كذلك سبعة أعوام حتى كملت خصاله ، واستوكفت أوصاله ، فحين أملت نفعه ، ورجوت دفعه ، أراد أبوه أن يأخذه مني كرهًا .. فقال أبو الأسود : أصلحك الله أيها الأمير ، هذا ابني حملته قبل أن تحمله ، ووضعته قبل أن تضعه ، وأنا أقوم عليه في أدبه ، وأنظر في أوده ، أمنحه حلمي ، وألهمه علمي ، حتى تحكم عقله واستحكم فتله ، فقالت المرأة : لقد صدق ، ولكنه حمله خفًا وحملته ثقلًا ، ووضعه شهوة ووضعته كرهًا ! ، فقال زياد : والله وازنت بين الحجتين وقارنت الدليل بالدليل فما وجدت لك عليها من سبيل وقضى به لها .
3- بين يونس والخليل :
كان يونس النحوي يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ؛ ليتعلم منه علم العروض فصعب عليه تعلمه ، فأراد الخليل أن يصرفه ، وهو منه على استحياء ، فقال له يومًا : من أي بحر قول الشاعر :
إذا لم تستطع شيئًا فدعه … وجاوزه إلى ما تستطيعُ
ففطن يونس إلى ما عناه الخليل ، وفهم قصده ، فانصرف وترك العروض .
( عن : التذكرة الحمدونية لأبي المعالي بن حمدون ).
4- عند وفاة الفَرَّاء :
قيل لما حضرت الفراء النحوي -رحمه الله- الوفاة ، دخل إليه بعض أصحابه فقال له : ما قال لك الطبيب ؟ فقال : وما عسى أن يقول الطبيب ؟! إن صحةً وإن مرضًا ، إن رفعًا فرفعًا ، وإن نصبًا فنصبًا ، وإن خفضًا فخفضًا !
قيل : فكان هذا آخر ما تكلم به ، ثم مضى .
( المصدر السابق ).
5- الخليل ومريض نحوي :
دخل إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله- على مريض نحوي ، وعنده أخ له ، فقال الأخ للمريض : افتح عيناك ، وحَرِّك شفتاك ، فإنَّ أبو محمد جالسًا .
قال الخليل : إني أرى أن أكثر مرض أخيك من كلامك !
( عن كتاب ” محاضرات الأدباء ” للراغب الأصفهاني ).
( والصواب إخوتي الكرام : افتح عينيك ، وحرك شفتيك ؛ وكلاهما مفعول به منصوب ، فإن أبا محمدٍ جالسٌ ؛ ” أبا ” اسم إنَّ منصوب بالألف ؛ لأنه اسم من الأسماء الستة ، و ” جالسٌ ” خبرها ).
6- المُبَرِّد إمام اللغة :
دعا رجلٌ من أهل البصرة المُبَرِّدَ إمام اللغة والأدب مع جماعة ، فغنت جارية من وراء ستار ، وأنشأت تقول :
وقالوا لها هذا حبيبك معرضًا … فقالت ألا إعراضه أيسر الخطبِ
فما هــــي إلا نظرة بتبــــسُّم … فتصطكُّ رجــــلاه ويسقط للجنبِ
فطرب كل من حضر إلا المبرد ، فقال له صاحب المجلس : كنت أحق الناس بالطربِ !
فقالت الجارية : دعه يا مولاي ، فإنه سمعني أقول : هذا حبيبك معرضًا ( بنصب معرضًا ) ، فظنني لحنت ، ولم يعلم أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قرأ : ” … ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا “. (هود : 72)
فطرب المبرد ، إلى أن شق ثوبه !!
( كلمة ” معرضًا ” في البيت ، و” شيخًا ” في الآية الكريمة : منصوبتان على الحالية ).
( عن كتاب : الأذكياء ).
7- يكذب على الله :
قرع قوم الباب على الجاحظ -وكان دميم الخلقة- فخرج غلامه ، فسألوه ما يصنع ؟ فقال : يكذب على الله !
قالوا : كيف ؟ قال : نظر في المرآة ، فقال : الحمد لله الذي خلقني وأحسن صورتي !
( عن : ربيع الأبرار لجار الله الزمخشري ).
8- أحب إلى سيبويه :
دخل شاعر على رجل بالبصرة ، وهو يجود بنفسه في سكرات الموت ، فقال : یا فلان ، قل :
لا إله إلا اللهُ ( بضم الهاء ) ، وإن شئت فقل : لا إله إلا اللهَ ( بفتح الهاء) !
والأولى أحب إلى سيبويه .
( عن كتاب : جمع الجواهر في المُلَح والنوادر/ الحصري القيرواني ).
وسِيبَوَيْه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء ، وكنيته أبو بشر ، الملقب بــ ” سيبويه ” ، وهو إمام النحاة ، وأول من بَسَّط علم النحو .
أخذ النحو والأدب عن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ويونس بن حبيب ، وأبي الخطاب الأخفش ، وعيسى بن عمر .
ورد بغداد ، وناظر بها الكسائي ، وتعصبوا عليه ، وجعلوا للعرب جُعلًا حتى وافقوه على خلافه .
من آثاره : كتاب سيبويه في النحو .
9- مع النضر بن شميل :
مرض النضر بن شميل -رحمه الله- ، فدخل عليه قوم يعودونه ، فقال لهم رجل منهم یُکنی أبا صالح : مسح الله ما بك ، فقال له النضر : لا تقل : مسح ” بالسين ” ، ولكن قل : مصح ” بالصاد ” أي أذهبه وفَرَّقه .. فقال أبو صالح : السين تبدل بالصاد ، كما في ” الصراط والسراط ، وصقر وسقر ” ، فقال له النضر : إن كان كذلك ، فأنت إذًا أبو سالح ! فخجل من كلامه .
( الكشكول لبهاء الدين العاملي ).
والنضر بن شميل ( عالم لغوي ) هو أبو الحسن النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازني التميمي البصري ، قاضٍ ولغوي وراوٍ للحديث وفقيه .
وُلد بمرو ، ونشأ بالبصرة ثم غادرها إلى خراسان ، وأقام في نيسابور قليلًا .
أخذ عن الخليل بن أحمد ، ولازمه مُدة طويلة ، وأقام بالبادية زمنًا ؛ فأخذ عن فصحاء العرب كأبي خيرة الأعرابي ، وأبي الدقيش وغيرهُما .