من آياته

من آياته :

القرآن الكريم هو كلام الله المسطور ، وكونه الفسيح هو خلقه المنظور .

والانسجام بينهما أمرٌ طبيعي ؛ لأن مصدرهما واحد ، من قِبَل الله الواحد .

وحديث أحدهما عن الآخر يكون حديث صدقٍ وحق .

وحديث القرآن عن الكون يكون بلسان المقال ، وأما حديث الكون عن القرآن يكون بلسان الحال .

فلنقرا آيات الله ؛ المسطور والمنظورة بالعقل تأثرًا ، وبالقلب تدبرًا ، وبالنفس تغيرًا .

هي -ورب الكعبة- آيات في إثر آيات ؛ صورها للناس في مرأى الشمس إذا برزت من خدرها ، والوردة إذا خرجت من كمها ؛ فينكشف النقاب عن وجه الحق حتى يظهر في صورة البرق إذا لمع ، والسحاب إذا همع ، والحمام إذا سجع ، والعبير إذا سطع .

ويبين الله جلّ في علاه بعض آياته في الكون ، والتي لا يماري فيها إلا الكفور ؛ فيقول الله العزيز الغفور :

آيات بينات تلك التي تُوصِّل الإنسان اللبيب إلى معرفة أن الله تعالى وحده لا شريك له هو الجدير بالتسبيح والتحميد .

” فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ “. (الروم : 17-18)

إن آيات ربنا ثاقباتٌ … ما يماري فيهن إلا الكفورُ

خَلَقَ الليلَ والنهارَ فكلٌّ … مستبينٌ حسابُهُ مقدورُ

ثم يجلو النهارَ ربٌّ رحيمٌ … بمهاةٍ شعاعها منشورُ

كل دينٍ يوم القيامة عند … اللهِ إلا دين الحنيفةِ بورُ

– آيات مبهرة :

من آيات الله المبهرة الدالة على قدرته وعظمته ووحدانيته ، والتي وردت في سورة ” الروم“ :

يا خالق هذا كله : سبحانك .

– وقفات مع الآيات :

الشرك صورةٌ مذمومة لا يقبلها ذو لُبٍّ على نفسه .

” ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ “. (الروم : 28)

كم انزعج أهل مكة الكافرون حينما جاءهم الإسلام من بداية الأمر يقول : إن الناس سواسية في دين الله ، العبد والسيد مع حفظ كل واحد لعمله ، واحتفاظ كل واحد بمكانته .

الناس سواسية كأسنان المشط ، وأكرمكم عند الله أتقاكم .

انزعجوا جميعًا من هذا ، كيف بدين يُسَوِّي بين السادة والعبيد !

وكيف أنتم تسوون بين الله وبين خلقه ، تعبدون معه حجرًا لا يسمع ولا يبصر ، لا ينفع ولا يضر ، ولا يملك من أمر نفسه شيئًا ، فكيف تعبدونه ؟!!

” هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ “. (الروم : 28)

وصل الله بهم إلى هذه النتيجة المترتبة على هذا السؤال ، وهي كما أننا لا نقبل التسوية بيننا وبين من هم أدنى منا ، لا نقبل التسوية بين الله وبين عباده بالشرك .

الألسنة : اللغات ، أو أجناس النطق وأشكاله .

خالف عزّ وجل بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ، ولا جهارة ، ولا حدّة ، ولا رخاوة ، ولا فصاحة ، ولا لكنة ، ولا نظم ، ولا أسلوب ، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله ، وكذلك الصور وتخطيطها ، والألوان وتنويعها .

ولاختلاف ذلك وقع التعارف ، وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس ، ولتعطلت مصالح كثيرة ، وربما رأيت توءمين يشتبهان في الحلية ، فيعروك الخطأ في التمييز بينهما ، وتعرف حكمة اللّه في المخالفة بين الحلىّ ، وفي ذلك آية بينة حيث وُلِدوا من أب واحد ، وفرّعوا من أصل فذ ، وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا اللّه مختلفون متفاوتون .

وهنا وقفة بلاغية ؛ يقول أحد المتخصصين في اللغة عن هذه الآية الكريمة :

هذا من باب اللفّ وترتيبه : ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار ، إلا أنه فصل بين القرينين الأوّلين بالقرينين الآخرين ؛ لأنهما زمانان .. والزمان والواقع فيه كشيء واحد ، مع إعانة اللفّ على الاتحاد .

ويجوز أن يراد : منامكم في الزمانين ، وابتغاؤكم فيهما ، والظاهر هو الأول لتكرّره في القرآن ، وأَسَدّ المعاني ما دل عليه القرآن يسمعونه بالآذان الواعية .

فيه وجهان ، أحدهما : أن المفعولين فاعلون في المعنى ، لأنهم راءون ، فكأنه قيل : يجعلكم رائين البرق خوفًا وطمعًا .

والثاني : أن يكون على تقدير حذف المضاف ؛ أي : إرادة خوف وإرادة طمع ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .
ويجوز أن يكونا حالين ؛ أي : خائفين وطامعين .
وقرئ : ينزل بالتشديد .

وَمنْ آياته قيام السماوات والأرض واستمساكهما بغير عمد بأَمْره أي بقوله : كونا قائمتين .

والمراد بإقامته لهما : إرادته لكونهما على صفة القيام دون الزوال .

وقوله إذا دَعاكُمْ بمنزلة قوله : { يريكم } في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى ، كأنه قال : ومن آياته قيام السماوات والأرض ، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة : يا أهل القبور : اخرجوا .

والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ولا تلبث .

وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بثم ، بيانًا لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله ، وهو أن يقول : يا أهل القبور ، قوموا ، فلا تبقى نسمة من الأوّلين والآخرين إلا قامت تنظر ؛ كما قال تعالى : ” ثُمَّ نُفخَ فيه أُخْرى فَإذا هُمْ قيامٌ يَنْظُرُونَ “.

وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه فيما يجب عندكم ويُقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم ؛ لأنّ من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها ، وتعتذرون للصانع إذا أخطأ في بعض ما ينشئه بقولكم : ( أوّل الغزو أخرق ) ، وتسمون الماهر في صناعته معاودًا ، تعنون أنه عاودها كرّة بعد أخرى ، حتى مرن عليها وهانت عليه .

ندعوكم لقراءة : آیات ثاقبات

– الآيات مجتمعة :

قال الله الملك الحق :

” وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَ * وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡعَٰلِمِينَ * وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبۡتِغَآؤُكُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ * وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ * وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمۡ دَعۡوَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ إِذَآ أَنتُمۡ تَخۡرُجُونَ * وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ * وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ “. ﴿الروم : 20-27﴾

سبحانك .. سبحانك .

لا أُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك .

Exit mobile version