قيمة الكلمة :
نكتب عن قيم تربوية ، عَلَّمَنَا إياها رب البرية ، من خلال آيات قرآنية ، وتحدث عنها رسول الإنسانية ، من خلال أحاديث نبوية .
وهناك كلمات رقراقة ندية ، ومواقف رائعة نتوقف عندها بهدوء وروية ؛ نأخذ منها العظة والعبرة بموضوعية ، مهما كان أصحابها طالما أنها تفيد القضية ؛ فالحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أولى الناس بها ، فهي مسؤولية .
- لله در القائل :
الكلمة الربانية الغدقة ، والمفردة المخلصة العبقة ؛ تبعث النفوس من أوحال الخمول والجهالة ، ومواقع الزيغ والضلالة ، وتنجيها من سباع شهواتها المغتالة ، وتعتقها من الأفكار والمفاهيم القتالة .
الكلمة المسئولة الندية ، واللفظة الصادقة الوردية ؛ تهفو بالأرواح إلى جلائل الأمور بهمةٍ وأمل لا يتخللهما إثقال ولا فتور ، وتلك هي الدعوة النافعة والحكمة الماتعة التي تسيم الأمة الإسلامية في مرابع العمل الصالح المبرور ، وتؤكد بين أبنائها آصرة التآخي والحبور.
- قال المعلم صلى الله عليه وسلم :
” إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا ، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ ، لا يُلْقِي لها بالًا ، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ “. (رواه البخاري)
- لو مُزجت بماء البحر لمزجته !
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، قالت :
قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا ، قال : غيرُ مُسَدِّدٍ تعني قصيرةً .
فقال : ” لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته ”. (رواه أبوداود ، وصححه الألباني)
وفي هذا الحديثِ تقولُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها : ” قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : حَسبُكَ من صفِيَّة ” ، أي : من عُيوبِها ، وصفِيَّةُ هيَ بنتُ حُيَيٍّ ، زَوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، ” كذا وكذا ” ؛ قال غيرُ مُسدَّدٍ وهوَ ابنُ مُسرْهَدٍ ، أي : في روايتَهِم الحديثَ : ” تعني قَصِيرةً ” ، أي : إنَّ مِن عيوبِها كونَها قَصيرةً .
فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ” لقدْ قُلتِ كلِمةً لوْ مُزِجتْ بماءِ البَحرِ لمزَجَتْه ” ، أي : إنَّ ذِكرَكِ صَفِيَّةَ بتلكِ الكلِمةِ لو خُلِطَتْ بماءِ البحرِ لغيَّرتْ لونَه أو رِيحَه ، وهذا يُبيِّن قُبْحَ هذه الكلِمةِ ، وما فيها مِن الغِيبةِ .
- حرب البسوس :
هذه حرب استمرت أربعين سنة بسبب كلمة للبسوس ، قالتها عندما علمت بمقتل ناقتها ، وصاحت : وا ذُلَّاه .
ففي قصة الزير سالم الحقيقية تم ذكر الطريقة التي ماتت بها ناقة البسوس ؛ وهي أن كليب بن ربيعة الذي كان الملك للعرب وقتها كان يتميز بأنه شخصية ليست عادلة ويمتلك قوة شديدة ، وفي يوم من ذات الأيام خرج إلى الحمى وبدأ ينظر إلى الإبل ، فشاهد كليب ناقة البسوس وسدد سهمًا تجاهها أصاب ضرعها إلى أن بركت في الفناء ، وعندما سمعت صاحبتها صراخ أحد جيرانها ذهبت إليه ، فصاحت البسوس :
” وا ذُلَّاه “.
وكان الجساس يرى ذلك فقال لها : ” اسكتى ولا تُرَاعي ” ، وسكن الجرمي وقال لهما : إنِّي سأقتل جملًا أعظم من هذه الناقة ، سأقتل غلالًا ( فحل إبل كليب الذي لم يُرَى في زمانه قط ) ، ثم قام الجساس بتتبع كليب وقتله ، وكانت هذه أولى شرارات الحرب .
- لفظة ذات حدين :
قال أحد علماء هذه الأمة عن قيمة الكلمة :
الكلمة : لفظة ذات حدين ، ورسالة ذات ضدين ؛ فهي -إن شئتم- شمس مشرقة ، أو نار محرقة .
هي دليل فاصل ، أو سيف قاصل .
هي صيب الغيث ، أو سيء العيث .
الكلمة -إن شئتم- نُبل واحترام ، أو نَبل ذو اجترام .
هي باعث السرور ، أو نذير الثبور .
الكلمة أحلى من الرضاب ، أو أنكى من العضاب ، ورُبَّ قول أنفذ من صول ، وكم من كلمة قالت لصاحبها : دعني .
- ونحن نقول :
بالكلمة تكون مُوَفَّقًا مُسَدّدا ، وبالكلمة تكون وَجِلًا مُهَدَّدا .
بالكلمة ترضي العزيز الغفار ، وبالكلمة تكون من أصحاب النار .
بكلمة تدخل الإسلام ، وبكلمة تخرج من الإسلام .
بكلمة يحبك الناس ، وبكلمة تكون شبيهًا بالوسواس الخَنَّاس .
بكلمة طيبة يحدث الوفاق والاتفاق ، وبكلمة غيرها يحدث الشقاق والفراق ؛ وذلك يبن الرِفاق !!
- أجمل الهدايا :
الكلمة الطيبة من أجمل الهدايا ، ضرب بها المَثَل ربُّ البرايا .
قال سبحانه وتعالى :
” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ “. (إبراهيم : 24-27)