نواصل حديثنا عن هذه القيمة العظيمة في الدين ؛ وهي قيمة الكلمة ، فبها نعلو ونعلو مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ويمكن أن نكون بها في حضرة الشياطين .
بها ندخل جنة الرحمن ، وبها نكون من أعوان الشيطان ؛ فالكلمة الطيبة مطية الهداية والدعوة والإصلاح ، وزناد الفكر والفلاح .
إنها منارة توجيه وإرشاد ، ورافد تعليم وبناء وإعداد .
بها الإسلام عَمَّ وساد ، ودعا الشعوب وقاد .
- آدم وإبليس :
أخطأ آدم ، واعترف بخطئه ؛ فعلَّمه ربه كلمات ؛ فتاب عليه :
” قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ “.
وأمر الله ملائكته ومعهم إبليس أن يسجدوا لآدم ، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر ، ورد الحكم على خالقه عز وجل ، وقال :
” قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا “.
كلمة من آدم ؛ كانت السبب أن تاب الله عليه .
وكلمة إبليس ، كانت سببًا لأن تلحقه اللعنة إلى يوم الدين .
- كُن فيكون :
تكررت هذه الكلمة في القرآن الكريم ثماني مرات .
فكلمة ” كُن ” هي من مقتضيات الملك جل في علاه ، يقول عز وجل :
” إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ “. (النحل : 40)
- الكلمة الطيبة :
يقول ربنا تبارك وتعالى : ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَة ” ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، وفروعها { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وهي النخلة { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } في الأرض { وَفَرْعُهَا } منتشر { فِي السَّمَاءِ }.
- وهدوا إلى الطيب من القول :
قال بعض المفسرين في قوله : ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) أي : القرآن .. وقيل : لا إله إلا الله .. وقيل : الأذكار المشروعة ، ( وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) أي : الطريق المستقيم في الدنيا .
قال الله عز وجل : ” وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ “. (الحج : 24)
قال ابن كثير في تفسيره :
وقوله : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } كقوله { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } (إبراهيم : 23) ، وقوله : { وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } (الرعد : 23-24) ، وقوله : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا } (الواقعة : 25-26) ، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب ، { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا } (الفرقان : 75) ، لا كما يُهان أهل النار بالكلام الذي يروعون به ويقرعون به ، يقال لهم : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } ، وقوله : { وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ } ؛ أي : إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم ، على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم ، كما جاء في الصحيح : ” إنهم يلهمون التسبيح والتحميد ، كما يلهمون النفس “.
- نماذج من القول الطيب :
قالت لزوجها : لا يوجد في منطقتنا مكان لتحفيظ القرآن ، فهلا تبرعت بهذا المكان ؛ فوافق ، وكتب الله له القبول والتميز ؛ مما حدا بآخرين إلى التمثل بهما ، فزاد عدد دور التحفيظ بفضل الله تعالى ؛ والسبب كلمة قالتها مؤمنة موفقة .
قرأت إحدى الأخوات قصة لإحدى الأسر المسلمة كانت تضع صندوقًا للتبرعات ، ينفقون منه على الفقراء والمساكين ؛ التقطت الفكرة ونفذتها مع أولادها وأحفادها ، ونجحت الفكرة تمامًا ؛ وكان السبب كلمة قرأتها في كتاب .
أَقْنَعَت زوجها بالتبرع بقطعة أرض من أملاكه لإقامة صرح إسلامي عليها ، وبدأت بتجميع المال من أفراد أسرتها ، وتضعه في صندوق خاص حتى يصل إلى مبلغ معين ، بعدها يبدأون مشروعهم المرتجى .
وحتى تحقيق هذا الهدف المنشود ، لا تسمح هذه الفاضلة بالاقتراب من الصندوق إلا في حالات البر ، أو الاقتراض لبعض المحتاجين.
كلمة قالتها زوجة ؛ فأثمرت عملًا ينفع المسلمين .
- هي … كلمة :
لله در شيخنا الكريم القائل في خطبة له في بلاد الحرمين الشريفين :
أكبر دليل على خطورة الكلمة أن الإنسان يدخل دين الله تعالى الإسلام بكلمة ، ويخرج من دائرته مع سعتها بكلمة ، ويبنى بيتًا وأسرة ومجتمعًا بكلمة ، ويشل بناء بيت ويفرّق جمع أسرة بكلمة ، ويعانق الإنسان الجنة بكلمة ، ويسقط في حضيض النار بكلمة !!
فاعتبروا يا أولي الأبصار .
- وقفات مع :
” وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ “.
لو قلت الآن : سبحان الله بصدق .. فتأكد أن قولك لها ليس تحريكًا لعضلة لسانك وإنما هداية نزلت عليك من السماء .
من شرف الكلمة الطيبة واللين في القول ، أن الله جعلها من نعيم أهل الجنة : ” وهدوا إلى الطيب من القول “.
الأقوال الطيبة هدايات من الله ، لا تأتي صدفة .
الهداية تبدأ بالقلب وتصدقها الجوارح فمن رأيته يتخبط في جوارحه فاعلم أن إيمانه فيه دَخَن .
لا تحبس الكلام الطيب في قلبك أبدًا .
ابتسم ، امتدح ، اشكر ، وقل خيرًا للجميع .
بوصلة ألسنتهم اتجهت نحو الأقوال الجميلة .
كلُّ كلمةٍ جميلةٍ تقولها ، فهي هدايةٌ من الله لك .
ما أكثرَ هداياتِك أيها الفمُ الطيب !!
الكلام الطيب هداية من الله ونعيم مُعجٓل .
القول الطيب هداية من الله ومن صفات أهل الجنه في الدنيا قبل الأخرة ، فإذا وفقت له فاعلم أنك على خير عظيم .
حتي القول الطيب الجميل هو هداية من الله للعبد ! فهنيئًا لمن نال تلك الهداية .
إذا كان لسانك لا يفتر عن ذكر الله فاعلم أنها هداية من الله ، وفضل امتن عليك به وميزك عن غيرك .
- حصائد الألسنة :
لله دره من قائل :
الكلمة تتناول أدق القضايا وأعضلها ؛ فتجليها وتنسرب في النفوس ؛ فترقيها أو تشقيها ؛ لذلك حذر الشرع الحنيف من سقطات الألسن وحصائدها ولغوها : ” وهل يكبُّ الناسُ في النارِ على وجوهِهِم إلا حصائِدُ ألسِنَتِهِم ؟ “.
- الكلمة الهادفة البانية :
قال أحد الخطباء الفصحاء :
الكلمة النورانية الأنوق التي تخطها اليراعة ، أو يلفظها ذوو البراعة .
تنطلق مدبجة بمدى اللطف والوسطية والاعتدال ، في غير استهجان ولا ابتذال ؛ لتحقق من الهدى والخير ، وتدفع من السوء والضير ؛ لأنها تنبع من لوعة الفؤاد على هداية العباد ، ونشر المرحمة بينهم والتواد ، بأكرم عطاء وأزكى زاد .
ما أروع الكلمة الهادفة البانية !
وما أجمل الكلمة الهادية الحانية .
- لا .. للنقد المسف :
وقال الخطيب نفسه :
{ النقد المسف عن كمد ؛ لا يخفى زيفه وإن طال الأمد }.
- لله در الشاعر القائل :
تكلَّمْ وسدِّدْ ما اسْتطعتَ فإِنَّما … كلامُكَ حيٌّ والسُّكُوتُ جَمَادُ
فإنْ لم تجدْ قَوْلا سديدًا تقُـوله … فصمتُكَ عنْ غيرِ السَّدَادِ سَداَدُ