قصيدة صل الكرام :
قالوا : كل بيت في هذه القصيدة يعادل كتابًا .
هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر صالح بن عبد القدوس أحد شعراء الدولة العباسية .
الرجاء التمعن في كلماتها ومعانيها .
أولًا : قصيدة صل الكرام :
صِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ … فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخرًا … إنَّ القريـنَ إلى المُقارَنِ يُنسبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ … بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحبًا … إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـرًا يَصحبُ
وَزِنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ … ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ … فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ … إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوه … نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ … في الرِّزق بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـًا يـرومُ تحيّـلًا … والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ … رغَـدًا ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ … واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا … مـن ذا رأيـتَ مُسَلَّمًا لا يُنْكبُ
وإذارُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ … أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ … يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ … إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحَبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ … يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهمًا صائبًا … واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ … وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا … طولًا وعَرضًا شرقُهـا والمغرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي … فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ
أما الشاعر :
صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي .
وهو شاعر عباسي كان مولي لبني أسد .. كان حكيمًا متكلمًا يعظ الناس في البصرة ، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات ، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ. يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها ، وذكر الموت والفناء ، والحثّ على مكارم الأخلاق ، وطاعة الله ، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ ، والتدليل ، والتعليل ، ودقة القياس .
مرت أحداث في حياة الشاعر جعلته يقارن بين الأسباب كما يقارن بين النتائج ؛ فيَصل إلى آراء مُحكمة مستخلصة من تجاربه وتجارب غيره .
أسلوبه الشعري :
يتميز شعره بنبرة تشاؤمية ، ولا غرابة في ان يكون كذلك بالنسبة لإنسان عاش في حقبة مليئة بالقلاقل السياسية ، والاضطرابات الطبقية ، والخلافات العقائدية .
وهو في مجمله أمثال ، ومواعظ ، وحكم ، وعبر ، وتجارب حياتية تدور حول الترهيب من الدنيا وأحوالها ، والآخرة وأهوالها ، والزهد في العيش ، والتقتير في المعيشة ، والحث على التقوى ، والصبر ، والمجاهدة ، ومحاسبة النفس وردعها عن الملذات .
ومن سماته قوة وجزالة الألفاظ ، وجمال التعبير ، وروعة التصوير ، والالتجاء إلى المحسنات البديعية ، والقياس والمقارنة للتدليل على تيمتي الخير والشر ، والعذاب يوم الحساب ، إلى غير ذلك من الصفات والتوصيفات .
وقد ذكره الثعالبي في كتابه ” لباب الآداب ” وقال عنه : ” كل شعره حكم وأمثال “.