فضل حِلَق الذكر :
ما أجمل حِلَق الذِّكر ، يغشاها أهل الحمد والشكر ، لا أهل الخديعة والمكر ، أو أهل العربدة والسُّكر .
ذِكْر الله نجاة .. ذكر الله حياة .
ذكر الله عبادة .. ذكر الله سعادة .
أسعد الله أوقاتكم بذكره وشكره وحسن عبادته .
قال الله تبارك وتعالى :
” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا “. (الكهف : 28)
واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده ، ويدعونه في الصباح والمساء ، يريدون بذلك وجهه ، واجلس معهم وخالطهم ، ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا ، ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلًا عن ذكرنا ، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه ، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصبر نفسه مع هؤلاء القوم الفضلاء الشرفاء الكرماء ، وصبر نفسه يعني حبسها احبس نفسك معهم فإن هؤلاء القوم خير من تجلس إليهم ، (( يدعون ربهم بالغداة )) في أول النهار وبالعشي في آخر النهار ومن ذلك إن شاء الله الاجتماع على صلاة الفجر وعلى صلاة العصر ؛ لأن الأولى في الصباح والثانية في المساء غداة وعشي ، (( يريدون وجهه )) هذا دليل على إخلاصهم لله عز وجل وأنهم لا يريدون من هذا الاجتماع والدعاء أن يمدحوا بذلك أو يقال ما أعظم عبادتهم ما أكثرها ما أصبرهم عليها ، لا يريدون هذا كله يريدون وجه الله عز وجل ، (( ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا )) يعني : لا تتجاوز عنهم وتفارقهم وتغض الطرف عنهم من أجل الدنيا ، أما من أجل مصلحة أخرى أعظم مما هم عليه فلا بأس ، لكن من أجل الدنيا لا هؤلاء هم القوم وهم أهل الدنيا والآخرة ، (( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا )) يعني : لا تطع الغافل الذي غفل قلبه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، فيسألهم ربهم وهو أعلم ما يقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك ، فيقول : هل رأوني ؟ فيقولون : لا والله ما رأوك ، فيقول : كيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا ، فيقول : فماذا يسألون ؟ قال : يقولون : يسألونك الجنة ، قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ، قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة ، قال : فمم يتعوذون ؟ قال : يقولون : يتعوذون من النار ، قال : فيقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله ما رأوها ، فيقول : كيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة ، قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم ، قال ، يقول مَلَك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ، قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم “.
( متفق عليه ).
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن لله ملائكة سيارة فضلًا يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ، فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم من أين جئتم ، فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك ، قال : وماذا يسألوني ؟ قالوا : يسألونك جنتك ، قال : وهل رأوا جنتي ؟ قالوا : لا أي رب ، قال : فكيف لو رأوا جنتي ؟ قالوا : ويستجيرونك ، قال : ومم يستجيروني ؟ قالوا : من نارك يا رب ، قال : وهل رأوا ناري ؟ قالوا : لا ، قال : فكيف لو رأوا ناري ؟ قالوا : ويستغفرونك ، فيقول : قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا ، قال : يقولون : رب فيهم فلان عبد خطَّاء إنما مر فجلس معهم ، فيقول : وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم “.
- معاني الكلمات :
ملائكة سيارة : سياحون في الأرض .
تنادوا : نادى بعضهم بعضًا .
هلموا : تعالوا .
فيحفونهم : يقتربون حول الذاكرين ويطوفون بهم ويدورون حولهم حتى يملؤوا ما بين السماء الدنيا والأرض .
يمجدونك : يعظمونك .
– خبر النفر الثلاثة :
عن أبي واقد الحارث بن عوف ، رضي الله عنه ، أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَما هو جَالِسٌ في المَسْجِدِ والنَّاسُ معهُ إذْ أقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ، فأقْبَلَ اثْنَانِ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وذَهَبَ واحِدٌ ، قالَ : فَوَقَفَا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فأمَّا أحَدُهُمَا : فَرَأَى فُرْجَةً في الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وأَمَّا الآخَرُ : فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ ، وأَمَّا الثَّالِثُ : فأدْبَرَ ذَاهِبًا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ :
” ألَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ؟ أمَّا أحَدُهُمْ فأوَى إلى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ ، وأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ منه ، وأَمَّا الآخَرُ فأعْرَضَ فأعْرَضَ اللَّهُ عنْه “.
( متفق عليه ).
– الله والملائكة وأهل الذكر :
خَرَجَ مُعَاوِيَةُ علَى حَلْقَةٍ في المَسْجِدِ ، فَقالَ : ما أَجْلَسَكُمْ ؟ قالوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ ، قالَ : آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ ؟ قالوا : وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ ، قالَ : أَمَا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَما كانَ أَحَدٌ بمَنْزِلَتي مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَقَلَّ عنْه حَدِيثًا مِنِّي ، وإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ ، فَقالَ : ما أَجْلَسَكُمْ ؟ قالوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا ، قالَ : آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ ؟ قالوا : وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ ، قالَ : ” أَمَا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ “.
( رواه مسلم ).