
صنفان من أهل النار :
هذا حديثٌ للحبيب النبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى ، فيه علامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوته ، وفيه : بيان بعض صفات أهل النَّار ، وفيه : التَّحذير من الظلم والإعانة عليه ، وفيه : تَحذيرٌ للنساء مِن التَّبرُّج والسُّفور .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
” صنفان من أهل النار لَمْ أرَهُما ، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها ، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا “.
( رواه مسلم ).
الحديث المذكور الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله ، من معجزات الحبيب النبي ﷺ ، ومن دلائل نبوته ؛ فلم يكن هذان الصنفان المذكوران في الحديث الشريف موجودين في عصر النبوة ، ولا في عهد الخلافة الراشدة ؛ التي مثَّلها سادتنا أبوبكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم ، وإنما ظهرا بوضوح عندما ابتعد الناس عن الدين ، وتفشى ظلم الحكام المستبدين ، فاتخذوا الشرط والجنود والأعوان ليقهروا بهم رعاياهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وقد ذكر القرطبي رحمه الله تعالى هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى في قصة عاد قوم هود ، وذكر بعض أوصافهم المذمومة التي نهاهم عنها نبيهم هود عليه السلام : « وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ». (الشعراء : 130)
قال : وهذه الأوصاف المذمومة قد كثرت في كثير من هذه الأمة فيبطشون بالناس بالسياط والعصي في غير حق شرعي ، وقد أخبر الحبيب النبي ﷺ أن ذلك يكون ، فقال ﷺ : ” صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس… ” الحديث .
والشرطة وأعوان الظلمة الذين يعذبون الناس بالسياط وغيرها ، أصبح هذا الأمر معروفًا ومنتشرًا في كثير من بلاد المسلمين ، وهذا من معجزات الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ؛ كما قال أهل العلم .
يقول الإمام ابن باز رحمه الله :
فالرجال الذين بأيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرطة ، أو رجال آخرين من غيرهم ، كل من يتولى ضرب الناس بغير حق هو داخل في هذا الحديث ، سواء كان بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة ؛ لأن الدولة إنما تطاع في المعروف ، يقول ﷺ : إنما الطاعة في المعروف ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
- الكاسيات العاريات :
– قال الإمام النووي رحمه الله عنهن :
أَمَّا ( الْكَاسِيَات العاريات ) فمَعْنَاهُ تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا ، فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات. وقيل : يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا ، كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى .
وَأَمَّا ( مَائِلات مُمِيلات ) : فَقِيلَ : زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى ، وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا ، وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ ، وَقِيلَ : مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ ، مُمِيلات أَكْتَافهنَّ ، وَقِيلَ : مَائِلات إِلَى الرِّجَال مُمِيلات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا.
وَأَمَّا ( رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت ) فَمَعْنَاهُ : يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس ، حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الإِبِل الْبُخْت ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره .
قَالَ الْمَازِرِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ ، وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ ….
( شرح النووي على صحيح مسلم 17/191 باختصار ).
– وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
قد فُسِّر قوله ” كاسيات عاريات ” : بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة ، لا تستر ما يجب ستره من العورة ، وفسر : بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة ، وفسرت : بأن يلبسن ملابس ضيقة ، فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة .
( فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 2/825 ).
– ويقول ابن باز عنهن :
وأما قوله ﷺ : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى قوله : (كاسيات) يعني : من نعم الله ، (عاريات) : من شكرها، لم يقمن بطاعة الله ، بل تجرأن على المعاصي والسيئات ، مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره .
وفسر أيضًا بمعنى آخر : وهو أن معنى (كاسيات) : يعني : كسوة اسمية لا حقيقة لها ، يعني : أنها كسوة لا يحصل بها المقصود ؛ ولهذا قال : (عاريات) ، فهناك كسوة لكنها لا قيمة لها ، ولا نفع لها ؛ إما لقصرها ؛ وإما لرقتها ، رقيقة ترى منها العورات ، أو قصيرة تبدو منها الأرجل ، أو غيرها مما الأيدي والصدور ونحو ذلك .
فالحاصل أنها كسوة لا يحصل بها المقصود ؛ ولهذا سميت عارية ؛ لعدم وجود الكفاية في الكسوة ، بل هي كسوة رقيقة مبدية للعورات ، أو قصيرة لم تستر البدن كله .
(مائلات) يعني : عن العفة والاستقامة ، يعني عندهن معاصي وسيئات ؛ ولهذا قيل لهن : مائلات ، يعني : عن العفة ، كالتي تتعاطى الفاحشة ، أو عن أداء الفرائض من الصلوات وغيرها .
(مميلات) : المعنى : مميلات لغيرهن ، يعني : أنهن يدعين إلى الشر والفساد ، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي وتعاطي الفواحش ؛ لعدم إيمانهن أو لضعف إيمانهن وقلة إيمانهن .
فمقصود النبي ﷺ من ذلك التحذير ، المقصود من هذا التحذير من هذا العمل السيئ ، والتحذير من اتخاذ هؤلاء الموصوفات صديقات أو جليسات ، بل يجب تحذيرهن والإنكار عليهن ، وأن لا يتخذن جليسات ولا صديقات وهن بهذه الحال ؛ لما عندهن من الفساد والشر .
وقوله ﷺ : رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، قال بعض أهل العلم : معنى ذلك: أنهن يعظمن الرءوس ، بما يجعلن عليها من الخرق واللفائف ، وغير ذلك حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة ، والبخت : نوع من الإبل لها سنامان بينهما شيء من الانخفاض ، فهذا مائل إلى جهة ، وهذا مائل إلى جهة طرف مائل إلى جهة وطرف مائل إلى جهة ، فهؤلاء النسوة لما عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما يجعلن عليها ، أشبهن هذه الأسنمة .
- حكم لبس المرأة للبنطلون :
( فتوى دار الإفتاء المصرية )
{ لُبْس المرأة للبنطلون الضيق ، المُفَصِّل لجسدها : حرامٌ شرعًا .
وبالنسبة لعقوبة التبرج والسفور في الآخرة : فهي عقوبة شديدة .
والتبرج والسفور من الكبائر شرعًا ؛ لأنه يؤدي إلى انتشار الفساد وإشاعة الفاحشة في المجتمع }.
مفتي جمهورية مصر العربية
الدكتور نصر فريد واصل
24 / 1 / 1422 هـ
11 / 10 / 2001 م
اللهم إنَّا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .