سلامة الصدر والقلب

سلامة الصدر والقلب :

لو أنه ليس لسلامة الصدر والقلب فضيلة إلا أنها صفة من صفات أهل الجنة لكفت للتنافس على تحصيلها !!

قال تعالى : ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ “.

قال ابن عطية : هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد ، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ، ولا عذاب في الجنة .

وقال تعالى : ” يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ “.

قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه : القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، وقيل : هو القلب الخالص .

وقال الإمام القرطبي : أي الخالص من الأوصاف الذميمة ، والمتصف بالأوصاف الجميلة .

وسئل ابن سيرين رحمه الله : ما القلب السليم ؟ فقال : الناصح لله في خلقه .

وقال الأكفاني رحمه الله : وأصل العبادة مُكابدة الليل ، وأقصر طرق الجنة سلامة الصدر .

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ” … ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً ، إذا صَلَحَتْ ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وإذا فَسَدَتْ ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، ألا وهي القَلْبُ “.

ولو أننا أحسنا الاقتداء بنبينا ﷺ وعرفنا حقوق إخواننا علينا فأديناها لهم طواعية وطمعًا فيما عند الله عز وجل وتجردنا من حظ أنفسنا الأمَّارة بالسوء ، لدحرنا الشيطان ولشعرنا وكأن أرواحنا تحوم تحت العرش .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ” لاَ تقاطعوا ولاَ تدابروا ولاَ تباغضوا ولاَ تحاسدوا وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ولاَ يحلُّ لمسلمٍ أن يَهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ “.

ولو أننا تعهدنا القلب بالتنقية والنظافة كما نتعهد بيوتنا وأفنيتنا بالتنقية والنظافة لشعرنا أننا نحمل بين أضلعنا جنة غنَّاء !!

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال : قيل لرسولِ اللهِ ﷺ أيُّ الناسِ أفضلُ ؟ قال : ” كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ ” .. قالوا : صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ ؟ قال : ” هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ “.

ولو أننا حرصنا على أن نختم يومنا بالطاعات كما يحرص التاجر على أن يختم يومه بالربح الكبير والرزق الوفير لأمسينا ونحن على يقين أن صباحنا سيكون في الجنة !!

جاء في نهاية الحديث الذي رواه أحمد والذي قال فيه النبي ﷺ : “يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة ” أن الرجل الذي وصفه النبي ﷺ بأنه من أهل الجنة ، قال : ” أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا ، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه “.

عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي قال : ” أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ .. قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ ، لا أقولُ : إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ “.

ولو أننا شغلنا أنفسنا بعيوبنا ولم نشغلها بعيوب غيرنا لاحتجنا فوق أعمارنا أعماراً لكي نلقى الله تعالى بقلب سليم ، خال من الغل ، نقي من القطيعة ، لا يتطرق إليه بُغض ولا حسد !!

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسولِ اللهِ ﷺ قال : ” لا يُبلِّغُني أحدٌ عن أحدٍ مِن أصحابي شيئًا فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليكُم وأنا سليمُ الصدرِ “.

قال ابن الملك : والمعنى أنه ﷺ يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه ، من غير سخط على أحد منهم .

وقال الإمام القرطبي : وسلامة الصدر سبب في قبول الأعمال ، ففي الحديث : ” تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ ، ويَومَ الخَمِيسِ ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا ، إلَّا رَجُلًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ ، فيُقالُ : أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا ، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا ، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا ” (رواه مسلم) ، فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن .

وقال سفيان بن دينار لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ؟ قال : كانوا يعملون يسيرًا ، ويُؤجرون كثيرًا ، قال سفيان : ولِمَ ذاك ؟ قال أبو بشر : لسلامة صدورهم .

وجاء في [ أدب الدنيا والدين ] للماوردي : حُكِي عن بنت عبدالله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وكان أجود قريش في زمانه : ما رأيت قوماً أشدّ لؤْماً منْ إخوانك .. قال : ولم ذلك ؟ قالت : أراهمْ إذا اغتنيت لزِمُوك ، وإِذا افتقرت تركوك .
فقال لها : هذا والله من كرمِ أخلا‌قِهم ! يأتوننا في حال قُدرتنا على إكرامهم .. ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بِحقهم .

علّق على هذه القِصة الإ‌مام الماوردي فقال : انظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فِعلهم حسنًا ، وظاهر غدرِهم وفاء .. وهذا والله يدل على أن سلا‌مة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآ‌خرة وهي من أسباب دخول الجنة .. قال تعالى : ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ “.

ندعوكم لقراءة : القلب السليم

– من كل ما سبق نخلص إلى أن سلامة الصدر لها فوائد جمَّة ، منها :

• سلامة الصدر من صفات أهل الجنة وأقصر سبيل لدخول الجنة .

• وهي السبيل للاقتداء بسيد المرسلين ﷺ ، والتحلى بأخلاق المؤمنين .

• وسببًا لتحصيل الطمأنينة فلا يجد قلب المؤمن راحة إلا فيها ، ولا تقر عينه إلا بها .

• وتهذب الجوارح عن كل قبيح ، وتزيل العيوب ، وتقطع أسباب الذنوب .

• وتقوِّي أواصر المحبة وتقضي على عوامل الضعف والوهن .

• وتقطع على الشيطان وساوسه وتفشل كل محاولة له للوقيعة بين المؤمنين .

• وتقي من البغي والحقد والحسد ، ومن التكالب على حطام الدنيا والمنافسة عليها .

• وتكبح زمام النفس فلا تتطلع إلى مكانة غير مُستحقة ، ولا تحسد من وصل إلى مكانة يستحقها .

• ونعيم مُعجَّل لا يؤتاه إلا كل موفق معان .. فمن سلم صدره فقد أنعم الله عليه بنعيم أهل الجنة وهو في الدنيا .

• ومن حرم سلامة الصدر فقد خسر خسرانًا مبينًا لا فلاح بعده ، ومن فاتته فقد فاته خيرًا وفيرًا لا عوض له .

• سلامة الصدر تجعل الصف المؤمن متين البنيان لا يتطرق إليه وهن ولا يطمع فيه عدو .

• وهنا يمكننا القول بأن سلامة الصدر تحفظ الدين وتخيِّب آمال المتربصين .

– طرق الوصول لسلامة الصدر والقلب :

• تعهد إخلاص القلب قبل وأثناء وبعد كل عمل .

• الإقبال على كتاب الله تعالى بنية أنه ( شفاء لما في الصدور ) ، وأنه ( هدى ورحمة للمؤمنين ).

• الإلحاح في الدعاء لله تعالى أن يجعل القلب سليماً كما يحب ربنا ويرضى .

• الاطلاع على أحوال المؤمنين في جانب سلامة الصدر والتشبه بهم .

• الاستسلام والتسليم لقضاء الله فينا ، والانقياد لأوامره لنا ، والابتعاد عما نهانا عنه .

• الرضا عن الله تعالي وعدم السخط والجزع .

• محبة الخير للناس والسعي في قضاء حوائجهم .

• إفشاء السلام وصلة الأرحام وقلة الكلام .

• الانشغال بإصلاح عيوب النفس وترك تتبع عورات الغير .

• عدم الإستماع للغيبة والنميمة وآفات اللسان .

• إصلاح ذات البين والبعد عن كل ما يفسد العلاقات بين الناس والتحريش بينهم .

وختامًا يقول الشاعر :

بسلامة الصدر الحياة تطيب … وتفيض بالحب الكبير قلوب
كالشمس تعصف بالظلام شروقه … وتعتم الآفاق حين تغيب

Exit mobile version