الملك الحق :
يُطلق اسم الملك في لغة العرب على كل من بيده مُطلق التصرف بالأمر والنهي والقوة والسلطان والجبروت سواء في نفسه أو في غيره أو في مملكته .
ولكل شيء مالك يملكه ؛ فلكل بيت مالك ، ولكل مال مالك ، ولكل متاع في هذه الدنيا مالك ، أليس كذلك ؟
وعلى كل دولة مَلِك أو رئيس أو أمير يسوسها ويقودها ، وكل مالك يزول عن مِلكه ، وكل مَلِك كذلك قد يزول عنه مُلكه ، أو يزول هو عن ملكه ، أليس كذلك ؟
أما مالك الملك ” الـمَلِك الحق ” سبحانه وتعالى الذي لا يستحق هذا الاسم إلا هو .
و” الملك ” من أسماء الله تعالى ، ويدور معناه في اللغة حول التصرف والهيمنة والسيادة ، فالملك هو الآمر الناهي المطاع المتصرف بفعله وأمره ، والمُلك هو صفة ذاتية للرب تعالى ، وتعني ملكه لجميع الأشياء ، وتصرفه وتدبيره في ملكه بلا مدافعة ولا ممانعة ، وقدرته على ذلك .
– المَلِك في القرآن :
- في سورة طه قال الله تعالى : ” فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا “.
- في سورة المؤمنون قال الله تعالى : ” فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ “.
- في سورة الحشر قال الله تعالى : ” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ “.
- في سورة الجمعة قال الله تعالى : ” يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ “.
- نعود إلى سورة الحشر ، يقول الله الملك الحق : ” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ “. (الحشر : 23)
وفي التفسير :
1- تفسير الجلالين :
«هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدُّوس» الطاهر عما لا يليق به «السلام» ذو السلامة من النقائص «المؤمن» المصدق رسله بخلق المعجزة لهم «المهيمن» من هيمن يهيمن إذا كان رقيبًا على الشيء ، أي الشهيد على عباده بأعمالهم «العزيز» القوي «الجبار» جبر خلقه على ما أراد «المتكبر» عما لا يليق به «سبحان الله» نزَّه نفسه «عما يشركون» به .
2- تفسير الميسر :
هو الله المعبود بحق ، الذي لا إله إلا هو ، الملك لجميع الأشياء ، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة ، المنزَّه عن كل نقص ، الذي سلِم من كل عيب ، المصدِّق رسله وأنبياءه بما ترسلهم به من الآيات البينات ، الرقيب على كل خلقه في أعمالهم ، العزيز الذي لا يُغالَب ، الجبار الذي قهر جميع العباد ، وأذعن له سائر الخلق ، المتكبِّر الذي له الكبرياء والعظمة .. تنزَّه الله تعالى عن كل ما يشركونه به في عبادته .
– بسم الله :
- ” وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا “.
سفينة صُنعت بأمر الله وبيد نبي كريم ؛ ومع ذلك تحتاج إلى بركة هذا الاسم العظيم !
- ومع ذِكْرٍ نحافظ عليه في الصباح وفي المساء ، علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو : ” بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم “.
فاجعلوا ( بسم الله ) مفتاحًا لكل شؤونكم .
كل سور القرآن الكريم تبدأ بالبسملة ، إلا سورة براءة ( التوبة ) ، وجاءت البسملة داخل سورة النمل في الآية رقم (30) : ” إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “.
وبذلك فإن : بسم الله الرحمن الرحيم ، وردت في القرآن الكريم 114 مرة .
افتتح الله تعالى كتابه بالبسملة ، وافتتح سليمان عليه السلام كتابه إلى ملكة سبأ بالبسملة ، قال تعالى : ” إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “. (النمل : 30)
وافتتح النبي صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل بالبسملة ، وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه بحمد الله والثناء عليه .
وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى مشروعية البسملة واستحبابها عند الأمور المهمة .
جاء في الموسوعة الفقهية (8/92) : { اتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال ، عبادة أو غيرها }.
– انتظار الفرج من الملك :
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : { واعلموا أن أفضل العبادة انتظار الفرج من الرب الرحيم ، و قوة الرجاء والطمع في فضله العظيم .
فاجعلوا رجاء ربكم نصب أعينكم وقبلة قلوبكم ، فإنه نعم المولى والمُرتجَى لمغفرة ذنوبكم و كشف كروبكم .
وإياكم أن يملك قلوبكم اليأس من روح فضله وأفضاله ، أو تظنوا به غير ما يليق بجلاله و كماله ، فإنه لم يزل بالكمال موصوفًا ، وبالبر والجود والكرم معروفًا .
أليس هو الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، وأخرج بفضله المرعى ، وأغنى وأقنى ؟
أما أوصل إليكم رزقه وأنتم أجنة في بطون الأمهات ، وتابع عليكم بره في جميع الأوقات ؟ }.
( مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي ).
– دعاء نبي كريم :
جاء في ( شعب الإيمان ) للإمام البيهقي رحمه الله :
قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ” اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ، ولا أملك نفع ما أرجو ، وأصبح الأمر بيد غيري ، وأصبحتُ مرتهنًا بعملي ، فلا فقير أفقر مني .. اللهم لا تُشمت بي عدوي ، ولا تسؤ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ، ولا تسلط عليّ من لا يرحمني “.
( شعب الإيمان للبيهقي (٢٣٧) ).
ندعوكم لقراءة : قالوا عن الله – جلَّ في علاه – 1
– من أوامر الملك :
﴿ لا تهِنوا ﴾
﴿ لا تحزنوا ﴾
﴿ لا تيأسوا ﴾
﴿ لا تقنطوا ﴾
القرآن يدعونا للتفاؤل والفرح ؛ لذلك فلنفرح ونتفاءل ، ونحسن الظن بالله ، سنجد السعادة والرضا حتمًا بإذن الملك جل في علاه .
– { فما ظنكُم بِرَبِّ العَالَمِينْ }
ما ظنكم بالملك ؟!
هُو الأمل ، هُو الأمان ، هُو العطاء ، هُو الرحمة .
هنا السُؤال المملوء بكل عطف ، هنا النداء لحسن الظن ؛ إنه الملك .
حُسْن ظن بالملك :
مُصابك الذي يُؤلمك ، حزنك الذي يكبت صدرك ، كدرك الذي يتغشّاك ، مرضك الذي أسهرك .. كل ذلك : هَيِّنٌ على الملك صرفه .
- يقول ربنا الملك الحق :
” بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ “. (القيامة : 14)
السر الوحيد الذي لا يعلمه أحد غيرك هو سر علاقتك بربك ، سر علاقتك بالملك الحق ؛ فلا يغرك المادحون ولا يضرك القادحون .
كن فقط مع الملك .
- يقول الملك الحق :
” قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ “.
توكل على الله وأحسن الظن بالملك ، وأبشر بكل خير وفضل منه ، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك .
- يقول الملك جل في علاه :
” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ “. (البلد : 4)
هكذا الحياة لابد من التعب والنصب لابد من العناء والشقاء ، وتذكر أيها المؤمن هناك على ضفاف الجنة سينسى كل مؤمن همَّه .
اللهم إنا نسألك نعيم الجنة الذي لا يشوبه هَمٌّ ولا حزن .
– ثق بالملك :
الله بحكمته قد يُؤخِّرُ عنك العطاء فلا ترى استجابةً لدعائك رغم قُرْبِك مِن الله ، وصدقك في مظلمتك ، وبراءتك في بلائك ، ونقائك في سريرتك ؛ لتزدادَ في الدعاء ولِتعيشَ معانيه الإيمانية ، ولكي تتشبّع نبضات قلبك باليقين ؛ ثم يُكرمك الملك بعدها بإجابة دُعائك ، وقد سَمَت نفسُك بإيمانها ويقينها .
كن واثقًا بما عند الله الملك الذي يقول للشيء كن فيكون .
مالك الملك إذا وهب ، لا تسألنّ عن السبب .
– المالك الحقيقي :
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي : { ليس من مالك حقيقي لكل شيء إلا الله ، أما حينما تقول : هذا البيت في ملكي ، هذا ملك مجازي ، أما على الحقيقة فليس من مالكٍ إلا الله ، ” قُلِ اللَّهُمَّ مَاِلكَ المُلْكِ ” كل شيء يُملك مالكه الله عز وجل ، هذه الحقيقة عبّر عنها أعرابي ببلاغة ما بعدها بلاغة ، كان معه قطيع من الإبل ، سئل : لمن هذه الإبل ؟ قال : لله في يدي .. بيتك الذي تسكنه لله في يدك ، ومركبتك التي تركبها لله في يدك ، ومالك الذي في خزانتك لله في يدك ، ويدك على كل شيء يد الأمانة ، وليست يد الملكية }.
– الله ملك ومالك :
ويواصل العلامة النابلسي قوله : { في الأصل الملك يحكم ، ولا يملك ، والمالك يملك ، ولا يحكم ، والله عز وجل ملك ، ومالك ، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ الفاتحة يقول : مالك يوم الدين ، وفي الركعة الثانية يقول : ملك يوم الدين .
الملك هو الذي يحكم ، ولا يملك ، والمالك هو الذي يملك ، ولا يحكم ، والله عز وجل ملك ومالك .
الآن دقق ، قد تملك بيتًا ، ولا تنتفع به ، مؤجر على القانون القديم ، لا تأخذ أجرة منه تساوي ضريبته ، إذًا تملك ، ولا تنتفع ، وقد تنتفع ببيت ، وتنعم به، ولم تدفع ثمنه ، وقد تنتفع ولا تملك ، وفي حالة ثالثة تملك وتنتفع ، ولكن مصير البيت ليس بيدك ، قد يستملك ، وقد يجري تنظيم على هذا البيت فيغدو شارعًا ، لكنك إذا قلت : الله مالك الملك ، فهو سبحانه يملك خلقًا وتصرفًا ومصيرًا ، يملك خلقًا ، ويملك تصرفًا ويملك مصيرًا ، هو الذي خلق وهو وحده المتصرف ، وإليه المصير .
فأي وصف للملكية لما سوى الله فهو وصف مجازي ، لا على الحقيقة ؛ لأن الله وحده يملك كل شيء }.
– لله ملك السموات والأرض :
قال الشيخ عبد اللطيف هاجس : { الله ﷻ ، لا يكونُ خيرٌ في كونه إلا بتقدير منه ، ولا يحصلُ فضلٌ إلا بتيسيره له ، ولا تقع حركةٌ في ملكه إلا بإذنه ، ولا يُبذل معروفٌ إلا من خزائنه ، ولا تحدثُ نعمةٌ إلا بأمره ، ولا يخرجُ أحدٌ من ملكوته }.
” وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ “.
فسُبحانه من إله !
الله ﷻ الملك ..
لا مفرَّ منه إلا إليه ، ولا توكُّل إلا عليه ، ولا حول ولا قوَّةَ إلا به ، ولا حُكم إلا له ، ولا بقاءَ إلا لوجهه ، ولا دوامَ إلا لسلطانه ، ولا حُجَّة إلا لبرهانه ، ولا بقاء إلا لإحسانه .
” كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ “.
فسبحانه من إله !