المسكين على الحقيقة :
ليس كل من يسأل الناس ، مسكينًا أو محتاجًا ، ولكن المسكين الحقيقي هو من يبينه لنا المعلم صلى الله عليه وسلم ؛ كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال :
” ليس المسكين الذي يطوف على الناس ، ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يغنيه ، ولا يُفطن له فيُتصدق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس “.
( متفق عليه ).
يقول الدكتور خالد السبت :
ليس المسكين الذي يطوف على الناس بمعنى : أنه ليس المسكين حقيقة الذي يكون أولى الناس بهذا الاسم ، أو تحقُّق هذه الصفة وهي المسكنة : هو ذلك الذي يطوف فيسأل ، مع أن الذي يطوف ويسأل إذا كان يفعل ذلك من حاجة وفقر فلا شك أنه مسكين ، ولكن النبي ﷺ قصد بيان الأحق بهذه التسمية والأجدر بها ، وهو ذلك الإنسان المتعفف ؛ لأن هذا الذي يطوف على الناس ، ويسأل فإن الناس يعطونه ما قد يكون به سدُّ جوعته ، وأيضًا يعرف الناس أن هذا الإنسان محتاج وفقير فيتعاهدونه ، ويعطونه ، ويطلبونه وما إلى ذلك ، فلا يضيع ، لكن الذي لا يسأل لا بلسان المقال ، ولا بلسان الحال ، فكيف يعرف الناس أنه محتاج؟ فيبقى في بيته يعاني شدة الجوع والمسغبة هو وعياله ، والناس يظنونه في غنى وعافية وسعة من الله تعالى ، فهذا هو المسكين حقيقة ؛ لأن أصل المسكنة مأخوذ من أن أطرافه وجوارحه وأبعاضه كأنها سكنت من شدة فقره ، فالذي يسأل الناس من حاجة هو مسكين ، لكن هذا أحق وأجدر بهذه التسمية .
المسكين مأخوذ من السكون وعدم الحركة ، ويطلق على صاحب الحاجة ، الذي ليس له من المال إلا اليسير الذي لا يسد حاجته .
قال الطبري :
” المسكنة ” مصدر ” المسكين ” يقال : ” ما فيهم أسكن من فلان وما كان مسكينًا ، ولقد تمسكن مسكنة ، ومن العرب من يقول : ” تمسكن تمسكنًا ” ، والمسكنة في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة ، وهي خشوعها وذلها .
( تفسير الطبري ).
وقال ابن منظور : عن الأصمعي أنه قال :
{ المسكين أحسن حالًا من الفقير ، وإليه ذهب أحمد بن عبيد ، قال : وهو القول الصحيح عندنا ؛ لأن الله تعالى قال : أما السفينة فكانت لمساكين ، فأخبر أنهم مساكين وأن لهم سفينة تساوي جملة ، وقال : ” للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ” ، فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين .
قال ابن بري : وإلى هذا القول ذهب علي بن حمزة الأصبهاني اللغوي ، ويرى أنه الصواب وما سواه خطأ ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : ” مسكينًا ذا متربة ” ، فأكد عز وجل سوء حاله بصفة الفقير لأن المتربة الفقر ، ولا يؤكد الشيء إلا بما هو أوكد منه ، واستدل على ذلك بقوله عز وجل : ” أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ” ، فأثبت أن لهم سفينة يعملون عليها في البحر }.
( لسان العرب لابن منظور ).
- مساكين السفينة :
قال الله تبارك وتعالى على لسان الخضر عليه السلام :
« أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ». (الكهف : 79)
قال الإمام ابن كثير في التفسير :
هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى ، عليه السلام ، وما كان أنكر ظاهره وقد أظهر الله للخضر ، عليه السلام ، على باطنه فقال إن : السفينة إنما خرقتها لأعيبها ؛ لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة ، يأخذ كل سفينة صالحة ، أي : جيدة ، غصبًا ، فأردت أن أعيبها لأرده عنها لعيبها ، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها. وقد قيل : إنهم أيتام .
وقد روى ابن جريج عن وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبائي ؛ أن اسم ذلك الملك ” هدد بن بدد ” ، وقد تقدم أيضًا في رواية البخاري ، وهو مذكور في التوراة في ذرية ” العيص بن إسحاق ” وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة ، والله أعلم .
- مصارف الزكاة :
حدد الله عز وجل ثمانية مصارف للزكاة ، جعل على رأسها : الفقراء والمساكين ؛ فقال عز من قائل : « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ». (التوبة : 60)