المالك لجميع الممالك :
الله عز وجل مالك لجميع الممالك ، وكل ملك فوق أديم الأرض هالك ؛ فالملك المهيمن أمر بذلك .
” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلَالِ وَٱلإِكْرَامِ “. (الرحمن : 26-27)
المَلِك في دنيا الناس ، لا يدخل عليه أي أحد بالأساس ، ولا بد من إجراءات خاصة أو التماس ، مع وجود عدد كبير من الحُرَّاس .
أما رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، فالوضع مختلف ؛ يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله تعالى ، في كتابه [ حوار مع صديقي الملحد ] :
{ الله -الكريم- سمح لنا أن ندخل عليه فى أي وقت بلا ميعاد ، ونبقى في حضرته ما شئنا وندعوه ما وسعنا ، بمجرد أن نبسط سجادة الصلاة ونقول ” الله أكبر ” نصبح فى حضرته نطلب منه ما نشاء .
أين هو الملك الذي نستطيع أن ندخل عليه بلا ميعاد ونلبث في حضرته ما نشاء؟! }.
قال الرب الجليل في محكم التنزيل :
” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ “. (الحشر : 23)
يقول الإمام ابن كثير في التفسير :
وقوله ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك ) ؛ أي : المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة .
( انتهى ).
فإن كانت لك حاجة وليس لك قدرة ، فإن لك ربًّا له قدرة وليس له حاجة ؛ فهو الملك ، جل في علاه ؛ فحوقل .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الأمر يبدأ عند الملك ، وينتهي عند الملك ؛ الملك الذي لا ملك فوقه ، ولا شيء إلا دونه .
هو المالك لجميع الممالك ، فالعالم العلوي والسفلي وأهله ، الجميع ، مماليك لله ، فقراء مدبرون .
- معنى الْمَلِك في القرآن الكريم :
المَلِكُ : المالك لكل شيء والمتصرف فيه .
ملك الملك : هو المتصرف بالأمر والنهي في الجمهور ، وذلك يختص بسياسة الناطقين ، ولهذا يقال : ملك الناس ، ولا يقال : ملك الأشياء ، وقوله : ﴿ ملك يوم الدين ﴾ [الفاتحة : 3] فتقديره : الملك في يوم الدين ، وذلك لقوله : ﴿ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﴾ [غافر : 16].
والملك ضربان : ملك هو التملك والتولي ، وملك هو القوة على ذلك ، تولى أن لم يتول .. فمن الأول قوله : ﴿ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ﴾ [النمل : 34] ، ومن الثاني قوله : ﴿ إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا ﴾ [المائدة : 20] فجعل النبوة مخصوصة والملك عامًا ، فإن معنى الملك ههنا هو القوة التي بها يترشح للسياسة ، لا أنه جعلهم كلهم متولين للأمر ، فذلك مناف للحكمة كما قيل : لا خير في كثرة الرؤساء .
قال بعضهم : الملك اسم لكل من يملك السياسة ؛ إما في نفسه وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها ؛ وإما في غيره سواء تولى ذلك أو لم يتول على ما تقدم ، وقوله : ﴿ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا ﴾ [النساء : 54].
- من شعر أبي نواس :
أبو نواس ابتهل في هذه القصيدة التي وُصفت بأنها خير ما يعبر به عن توبته وانكساره مستغفرًا ، قال فيها :
إلهنـا مـا أعدلـك
مليك كـل من ملـك
لبيك قـد لبيت لـك
لبيك إن الحمـد لـك
والملك لا شريك لـك
ما خاب عبد سـألك
لبيك إن الحمـد لـك
أنت لـه حيث سلـك
لولاك يا رب هلـك
لبيك إن الحمـد لـك
والملك لا شريك لـك
والليل لما إن حلـك
والسابحات في الفلـك
على مجاري المُنسلك
- مالك يوم الدين :
يقول الله الملك الحق :
” يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ “. (غافر : 16)
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
يوم هم بارزون ؛ أي : ظاهرون ليس لهم ظل يظلهم ؛ لا من شجر ولا حجر ، ولا بيت ولا غيره ؛ لأن البارز هو الظاهر الذي لا يحجبه دونه شيء ، وهم بارزون في ذلك اليوم ، وتدنو الشمس منهم مقدار ميل ، ويعرق الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم ، منهم من يصل العرق إلى كعبيه ، ومنهم من يصل إلى ركبتيه ، ومنهم من يصل إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا على حسب أعمالهم .
و ﴿ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ﴾ ؛ أي : لا يستتر على الله منهم شيء ، ولا يغيب عن علمه منهم شيء ، بل هو محيط بهم إحاطة تامة ، كما أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من قبل ذلك أيضًا ؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء علمًا .
- ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ :
﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ ﴾ هذه مقول قول محذوف ، التقدير : يقال : لمن الملك اليوم .
والقائل هو الله عز وجل ؛ فإنه تعالى يقبض السماوات بيمينه وبيده الأخرى الأرض ويهزهن ، ويقول : أنا الملك أين ملوك الدنيا ، ويقول أيضًا : لمن الملك اليوم ؟
فيجيب نفسه : لله الواحد القهار .
في هذه الآية من الفوائد أولًا : أن الناس يبرزون في يوم القيامة ، لا يضلهم شجر ولا مدر ولا بناء ولا جبل ولا غير ذلك ؛ لقوله : ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ﴾ [غافر : 16].
ومن فوائدها : أنهم في ذلك اليوم لا يخفى على الله منهم شيء ؛ لأنه محيط بهم علمًا وقدرة وسلطانًا .
فإن قال قائل : هل يُستثنى من قوله : ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ﴾ أحد ؟
قلنا : نعم ، يُستثنى من يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وهم سبعة ، بل هم أكثر ، بلغوا إلى واحد وعشرين رجلًا ، لكن النبي ﷺ جمع سبعة في سياق واحد .
طيب ، يُستثنى من ذلك مَن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وقد جمع النبي عليه الصلاة والسلام منهم سبعة في حديث واحد ، وهو حديث مشهور معروف : ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ إِمَامٌ عَادِلٌ ” إلى آخره .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن الملك ، بل جميع الأملاك تتلاشى في ذلك اليوم ، فلا فرق فيه بين مالك ومملوك ، وسيد ومسود ، وحر وعبد ، وذكر وأنثى ، ليس لأحد في ذلك اليوم ملك ، ولهذا قال : ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ فيقول : ﴿ لِلَّهِ ﴾.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن من أسماء الله الواحد ، والواحد هو المتفرد الذي لا ثاني له ، قال الله تعالى : ﴿ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [النحل : 51].
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن من أسماء الله القهار ؛ لقوله : ﴿ الْقَهَّارِ ﴾.
ومن فوائدها : إثبات صفتين من صفات الله ، دل عليهما قوله : ﴿ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ الصفة الواحد ، وفي القهار القهر .
ويترتب على ذلك من الناحية المسلكية : أن الإنسان إذا اعتقد بأن الله سبحانه وتعالى واحد لم يلتفت إلى أحد سواه ، وإذا اعتقد أن الله قهار خاف من قهره ، واستعان بقهره على عدوه ، فيستفيد من هذه العقيدة أن يخاف من قهر الله ، وأن يستعين بقهر الله على عدو الله وعدوه .