الصحة والفراغ :
قال الله تبارك وتعالى :
” وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ “. (إبراهيم : 34)
يخبر الله عز وجل عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلًا عن القيام بشكرها .
- أصبحوا وأمسوا توابين :
قال طلق بن حبيب رحمه الله :
إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد ، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين .
- التعريف بــ طلق بن حبيب العنزي :
هو تابعي ، وزاهد بصري كبير ، وأحد رواة الحديث النبوي الشريف ، وهو من العلماء العاملين .
حدَّث عن ابن عباس ، وابن الزبير ، وجندب بن سفيان ، وجابر بن عبدالله ، والأحنف بن قيس ، وأنس بن مالك ، وعدة .
روى عنه منصور ، والأعمش ، وسليمان التيمي ، وعوف الأعرابي ، ومصعب بن شيبة ، وجماعة .
وكان طيب الصوت بالقرآن ، برًّا بوالديه .
رُوِيَ عن طاوس ، قال : ما رأيت أحدًا أحسن صوتا منه .. وكان ممن يخشى الله تعالى .
- الحمد الكثير :
في صحيح البخاري : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول : ” اللهم ، لك الحمد غير مكفي ولا مودع ، ولا مستغنى عنه ربنا “.
- مع الحديث النبوي :
قال رسول الله ﷺ :
” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ “. (رواه البخاري)
نعم الله سبحانه وبحمده كثيرةٌ كثيرة ، لا يمكن لإنسان أن يحصرها ؛ مصداقًا لقوله تعالى : ” وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ “. (النحل : 18)
والحديث الذي بين أيدينا يتحدث عن نعمتين كبيرتين يفرط فيهما كثير من الناس ، ولا يعرف الإنسان قيمتهما ، ويخسر فيهما أشد الخسارة ؛ وهما صحة البدن وفراغ الوقت ؛ فإن الإنسان لا يتفرغ للطاعة إلا إذا كان مكفيًّا صحيح البدن ، فقد يكون مستغنيًا ، ولا يكون صحيحًا ، وقد يكون صحيحًا ولا يكون مستغنيًا ، فلا يكون متفرغًا للعلم والعمل ؛ لشغله بالكسب ، فمن حصل له الأمران وكسل عن الطاعة فهو المغبون ؛ أي : الخاسر في التجارة .
- يقول الإمام ابن باز رحمه الله :
كثير من الناس تضيع صحته بغير فائدة ، وفراغه في غير فائدة ، صحيح الجسم معافى في بدنه ، وعنده فراغ ولكن لا يستعمل ذلك فيما ينفعه ، وفيما يقربه من الله ، وفيما ينفعه في الدنيا ، فهذا مغبون في هاتين النعمتين ، وإنما ينبغي للمؤمن أن يستغل هذه النعمة فيما يرضي الله ، وفيما ينفعه ، في التجارة وأنواع الكسب الحلال والاستكثار من الصوم والصلاة ، والذكر والطاعات ، وعيادة المرضى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله عز وجل إلى غير هذا من وجوه الخير ، فالمؤمن يشغلهما بما يرضي الله وبما ينفعه في دنياه من الحلال ، فإذا ترك هاتين النعمتين لم يستعملهما فيما ينفعه فقد غبن ، وهذا الغبن قد يكون محرمًا وقد يكون لا يضره ، فإذا لم يستعملها في معاصي الله وأدى الواجب لم يضره هذا الغبن ، أما إذا كانت الصحة مستعملة في معاصي الله ضره ذلك ، أو الفراغ مستعمل في معاصي الله ضره ذلك ، أما إذا كان لا لم يستعمل ذلك في معاصي الله ، ولكن لم يستكثر من الحسنات المستحبة ، ولم يستعمل هذا الفراغ والصحة فيما ينفعه في الدنيا ، ولكنه عنده ما يقوم بحاله ويقوم بحال عائلته ، ليس مضطرًا إلى الكسب ونحو ذلك ، فإن هذا لا يضره ، لكنه نوع من الغبن ، لو استعمل الصحة فيما ينفعه من الذكر وأنواع الطاعات المشروعة ، وفي المكاسب الحلال الطيبة يتصدق منها ويحسن لكان خيرًا له .
- كأنما حيزت له الدنيا :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ ، عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا “.
( أخرجه الترمذي : 2346 واللفظ له ، وابن ماجه : 4141 ).