الشكر

من دواعي الشكر ، دوام الذِّكر ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وخصوصًا أبو بكر .

وشُكر الملك عز وجل ؛ يتبعه المزيد ، والله يفعل ما يريد ، «لئن شكرتم لأزيدنكم» ؛ هكذا وعدنا الله العزيز الحميد .

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقالت عائشة : لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!
قال : ” أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا “.
( متفق عليه ).

وقال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فقِيلَ له : غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ ، قالَ : ” أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا “.
( متفق عليه / البخاري : 4836 ، ومسلم : 2819 ).

لقد كان رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلم أعرفَ الناسِ بربه جل في علاه وأخشاهم له سبحانه ، وأعبَدَهم له .

وكان معلم الناس الخير صلَّى الله عليه وسلَّم دائمَ العِبادةِ للهِ عز وجل في كل أحيانه ، لا يفتر عن العبادة والذكر والشكر .

قال يومًا لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ” يا معاذ ، واللهِ إني لأُحبك ، ثم أوصيك يا معاذ : لا تَدَعَنَّ في دُبُر كل صلاة تقول : اللهم أَعِنِّي على ذكرك وشكرك ، وحُسن عبادتك “.
( رواه أبو داود والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ).

وفي هذا الحديثِ الذي نحن بصدده ، بَيان لحال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العِبادة واجتهادِه فيها ؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقوم مِن اللَّيل حتَّى تَرِمَ قدماه ، أي : تَتورم وتنتفخ ، ولَمَّا سُئِل عن سَببِ هذا الاجتهادِ وقد غَفَر اللهُ له ذَنْبَه ، قال : أفلا أكونُ عَبْدًا شَكورًا .

هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما بالنا نحن ، وذنوبنا كثيرةٌ كثيرة ، ونعم الله علينا لا تُعد ولا تُحصى ؛ فمَن عَظُمَتْ عليه نِعَمُ اللهِ ، وجَبَ عليه أنْ يَتلقَّاها بعَظيمِ الشكر ، لا سيَّما أنبيائِه وصَفْوتِه مِن خَلْقِه الَّذين اختارَهم ، وخشية العِباد لله على قَدْرِ عِلْمِهم به عز وجل ؛ فمعنى قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا» ؛ أي : كيف لا أشكره وقد أنعم عليَّ وخصَّني بخيرَيِ الدَّارينِ؟!

وفي حديث المعلم صلى الله عليه وسلم : أخْذُ الإنسانِ على نفسِه بالشِّدَّة في العِبادةِ وإنْ أضَرَّ ذلك ببَدنِه ، لكنْ يَنْبغي ألَّا يُؤدِّيَ ذلك إلى المَلَلِ والسآمةِ .

وفيه : الحَثُّ على مُقابَلةِ نِعَمِ اللهِ عزَّ وجلَّ بمَزيدٍ مِن الاجتهادِ في العِبادةِ .

والمعلوم لنا جميعًا أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؛ ومع ذلك كان يقوم من الليل حتى تتشقق قدماه .

وقد لاحظت الفقهية الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما ذلك الأمر ؛ فسألت الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم : لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!

فكان رد العابد الشاكر صلى الله عليه وسلم : ” أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا ”.

– معاني الكلمات :

يقوم ؛ أي : بالتهجد .

تتفطَّر : تتشقق .

شكورًا ؛ الشكر : الاعتراف بالنعمة وفعل ما يجب من الطاعات وترك المعصية ، وشكورًا : كثير الشكر .

– فوائد من الحديث :

  1. كثرة اجتهاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عبادة الله تعالى .
  2. من أنعم الله عليه بنعمة وخَصَّهُ بفضيلة يجب عليه شكرها .
  3. يجب أن تكون النعمة سببًا لزيادة الشكر .
  4. أن من شكر الله تعالى قيام الليل .

ندعوكم لقراءة : الحمد لله

– آيات ورد فيها الشكر :

  1. « قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ». ﴿النمل : 40﴾
  2. « نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ ». ﴿القمر : 35﴾
  3. « ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿البقرة : 52﴾
  4. « ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿البقرة : 56﴾
  5. « فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ». ﴿البقرة : 152﴾
  6. « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ». ﴿البقرة : 172﴾
  7. « … اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿البقرة : 185﴾
  8. « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ». ﴿البقرة : 243﴾
  9. « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿آل عمران : 123﴾
  10. « مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ». ﴿النساء : 147﴾
  11. « … لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿المائدة : 6﴾
  12. « … يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿المائدة : 89﴾
  13. « وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ». ﴿الأعراف : 10﴾
  14. « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ». ﴿الأعراف : 58﴾
  15. « وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿الأنفال : 26﴾
  16. « وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ». ﴿يونس : 60﴾
  17. « وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ». ﴿يوسف : 38﴾
  18. « وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ». ﴿ابراهيم : 7﴾
  19. « رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ». ﴿ابراهيم : 37﴾
  20. « وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿النحل : 14﴾
  21. « وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿النحل : 78﴾
  22. « فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ». ﴿النحل : 114﴾
  23. « وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ». ﴿الحج : 36﴾
  24. « وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ». ﴿المؤمنون : 78﴾
  25. « فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ». ﴿النمل : 19﴾

– لئن شكرتم لأزيدنكم :

يقول ربنا الشكور :

« وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ». (إبراهيم : 7)

وقوله : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، يقول موسى عليه السلام : لئن شكرتم ربَّكم ، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم ؛ وذلك في أياديه عندكم ونعمهِ عليكم .

وقال البغوي ، في [ معالم التنزيل ] : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾ ؛ أَيْ : أَعْلَمَ ، يُقَالُ : أَذَّنَ وَتَأَذَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، مِثْلُ أَوْعَدَ وَتَوَعَّدَ ، ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ ﴾ نِعْمَتِي فَآمَنْتُمْ وَأَطَعْتُمْ ﴿ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ فِي النِّعْمَةِ .

وَقِيلَ : الشُّكْرُ قَيْدُ الْمَوْجُودِ وَصَيْدُ الْمَفْقُودِ .

وَقِيلَ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ بِالطَّاعَةِ لَأَزِيدَنَّكُمْ فِي الثَّوَابِ .

﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ﴾ ، نِعْمَتِي فَجَحَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَشْكُرُوهَا ، ﴿ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ﴾.

الحمد لله على عطائه ، الحمد لله على رزقه ، الحمد لله على آلائه ، الحمد لله على نعمائه ، الحمد لله حمد الشاكرين والشكر لله شكر الحامدين .

وآخر دعوانا أن : الحمد لله رب العالمين .

Exit mobile version